د.أنور مغيث

دولة مدنية بدون مرجعية دينية

السبت، 09 يوليو 2011 09:55 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
هل يختلف تعبير دولة مدنية بمرجعية دينية عن تعبير الدولة الدينية؟ لا ندرى، ولكن أغلب الظن أن من يستخدمونه يريدون إيصال رسالة للمواطنين فحواها: أطردوا من أذهانكم النماذج الاستبدادية مثل أفغانستان والسودان وإيران.. فإن ما نطالب به هو دولة المؤسسات القائمة على المساواة والديمقراطية وتنوع الاتجاهات السياسية وتداول السلطة، ما هى علاقة الدين بالدولة إذن؟ الأرجح أن مستخدمى تعبير دولة مدنية بمرجعية دينية يقصدون أن يصبح الدين مجموعة من المبادئ والمثل العليا والقيم التى تستلهمها الدولة فى أدائها لعملها.

ولكننا لو حاولنا تصور كيفية ترجمة هذا الكلام فى مجال الممارسة العملية لوجدناه ينطوى على مخاطر كبيرة، فالدولة فى كل مجتمع هى جهاز مهمته إدارة شئون البلاد واتخاذ التدابير التى تهدف إلى تحقيق الصالح العام، الديمقراطية تعنى أن يوجد فى المجتمع فصيل أو فصائل أخرى ترى أن الإدارة والتدابير التى تتخذ لا تحقق الهدف المنشود، وهم يقترحون بديلاً لها، ولا شك أن زعم القائمين على إدارة الدولة أن ما يتخذون من إجراءات يتم وفقاً لتوصيات الدين يعنى قطع الطريق على كل من يحاول انتقاد الطريقة التى تدار بها الدولة، وبالتالى فتح الباب أمام استبداد الحكم.

ولننظر إلى تجارب الأمم الأخرى لنرى كيف تجاوزت، فى ظل الدولة الحديثة، هذه المشكلة، ونقول الدولة الحديثة لأن جميع الدول شرقاً وغرباً وحتى القرن الثامن عشر كانت دولاً ذات مرجعية دينية صريحة، فالحاكم يشن الحروب ويسن القوانين ويفتك بالمعارضين باسم المسيحية أو الإسلام، وقد تغير هذا الوضع فى الدولة الحديثة، وتبين تجارب الشعوب مع الدولة الحديثة أن من حق أى حزب أن تكون له مرجعيته الفكرية سواء كانت دينية أو فلسفية. فيمكن للحزب أن يتبنى مرجعية ليبرالية تنادى بتشجيع المبادرة الفردية وتحفيز الاستثمار؛ ويمكن له أن يتبنى مرجعية ماركسية تعارض تحكم اقتصاد السوق فى كل شيء وترى ضرورة تدخل الدولة لضمان مستوى معيشى مقبول للمواطنين، ويمكن للحزب أيضا أن يتبنى مرجعية دينية تدعو للتراحم والتكافل والأخلاق الحميدة.

ولكن فى المقابل ليس من حق الدولة أو الحكومة تبرير أى إجراء باسم الدين، فالحزب يفتح بابه للموافقين على أيديولوجيته أما الدولة فإجراءاتها عامة تسرى على جميع المواطنين.

فعلى سبيل المثال هيلموت كول أو أنجيلا ميركل (رؤساء الحكومة الألمانية عن الحزب الديمقراطى المسيحى) حينما يتحدثون عن انجازات حكومتهم فإنهم يستخدمون لغة علمانية تماماً، أى يستخدمون مصطلحات زيادة القوة الشرائية ورفع متوسط الدخل ودعم البحث العلمى وحفظ السلام فى العالم، ولكن لا يحق لهم الإشارة للمسيحية للدفاع عن سياسة الحكومة. كما كان هدف رجب طيب أردوغان هو أن يثبت لأوروبا أنه يمكن فى البلاد الإسلامية أن يوجد حزب إسلامى ديمقراطى يستلهم الإسلام ولكنه يحافظ على المدنية الكاملة للدولة. ولقد نجح فى ذلك، فهو يتحدث فى حزبه عن قيم الإسلام العظيمة ومثله العليا، ولكنه حين يدير الدولة يتمسك بالمادة التى تنص فى الدستور على علمانية الجمهورية التركية، وهى مادة تعنى ببساطة أنه لا مرجعية لقبول إجراءات الدولة أو رفضها سوى تحقيق الصالح العام لجميع المواطنين على اختلاف عقائدهم. وهو ما يعنى أن حق نقدها مفتوح للجميع المواطنين ولا يمكن اتهام معارضى الحكومة بالكفر، إن إصرار البعض فى مصر على أن تكون هناك مرجعية دينية للدولة المدنية معناه أن نظل ندور إلى ما لا نهاية فى حلقة الاستبداد، فسوف تزعم الحكومة أنها تقوم بتنفيذ تعاليم الدين ويتصدى لها معارضون يرون أنها حادت عن طريق الدين وصارت كافرة، فتتهمهم الدولة بالخروج عن صحيح الإسلام، فيعتبرها المعارضون دولة الطاغوت، وهكذا دواليك.

الخلاصة أنه لكى تتخلص مصر من الأثار السلبية للعهد البائد ينبغى أن تكون لها دولة ليست مؤمنة وليست كافرة، فقط تكون دولة تدير شئون الناس لتحقيق الصالح العام، ويكون نقدها حقاً متاحاً لجميع المواطنين، وهذه هى الدولة المدنية بدون مرجعية دينية.








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
التعليقات 10

عدد الردود 0

بواسطة:

د. تامر

دولة ليست مؤمنة وليست كافرة

عدد الردود 0

بواسطة:

neo

قول للسودان هيصدقوك

عدد الردود 0

بواسطة:

احمد سيف الدين

الامور مخطلطه علي الكاتب

عدد الردود 0

بواسطة:

مصطفى حسن

عزيزي كاتب المقال

عدد الردود 0

بواسطة:

انا ونفسي وبس

مقال رائع ومقنع

عدد الردود 0

بواسطة:

مدحت حُسين الحموي

تعلم يادكتور من رجال الأزهر الشريف قبل أن تتكلم فيما لا تعلم ؟؟؟

عدد الردود 0

بواسطة:

الراجل دا جاااااااااااااااااااااااامد جدا

الله عليك

عدد الردود 0

بواسطة:

نادر حبيب

دولة الاباحة الى حد الاستباحة

عدد الردود 0

بواسطة:

محمد إبراهيم

موتوا بغيظكم

عدد الردود 0

بواسطة:

Egyptian

انا معااااك

كلامك عاقل جدا وبجد احييك علي ثقافتك

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة