يتحرج الرجال فى بلادنا من كتابة سيرهم الذاتية نظرا لما يفرضه فن السيرة الذاتية على الكاتب من مبدأ الاعتراف والتعرية والمكاشفة، إذ إن الهدف من كتابة السيرة الذاتية هو مواجهة النفس قرب نهاية العمر، ومحاولة وضعها على المشرحة بقدر الإمكان لمعرفة أمراضها قبل إثبات خصائصها الصحية، لأن الأمراض والعقد النفسية أكثر تأثيراً فى النفس من أى خصلة ومن أى موهبة.
هكذا أجبت على سؤال تلقيته من محررة صحفية شابة، لماذا لم ينتعش فن السيرة الذاتية فى أدبنا العربى؟ وحدثتها عن نماذج شعر لسير ذاتية كتبها الإمام الغزالى والإمام الشعراوى وطه حسين وتوفيق الحكيم وميخائيل نعيمة ولويس عوض وغيرهم، وكيف أن ما كتبوه عن حياتهم كانوا فيه أشبه بالجالس أمام آلة تصوير بعد أن أكمل زينته ليضمن صورة جميلة ترضيه بقدر ما تكسبه احترام المجتمع إلا أننى بعد انصراف المحررة تذكرت تجربة شديدة الأهمية فى أدبنا المعاصر لم ينتبه إليها الكثيرون مع الأسف، ربما لأنها صدرت فى كتاب فى طبعة محدودة جداً فى أوائل تسعينيات القرن العشرين ما لبث حتى طواه النسيان أعنى كتاب «حملة تفتيش - أوراق شخصية» للأديبة الراحلة الدكتورة لطيفة الزيات.
إن القارئ الذكى الواعى لابد أن يشعر بالتقدير والاحترام - على خلفية من البهجة - تجاه سيدة كبيرة القيمة كلطيفة الزيات تقدم بشجاعة على كتابة أوراق شخصية تتناول مشاهد من سيرتها الذاتية تضمنها قدرا كبيرا من الاعترافات والمكاشفات الحميمية دون أدنى ابتذال أو ترخص، تقتحم موضوعات شديدة الحساسية بالنسبة للأنثى العربية فى مجتمع ذكورى النزعة والتكوين والواقع، يقع الكتاب فى حوالى مائتى صفحة من القطع الصغير، إلا أنه شديد الإمتاع فنيا والإشباع موضوعياً وإنسانياً، يثبت بالدليل القاطع أن الاعتراف بحقيقة المشاعر صفة إنسانية إيجابية وعظيمة وثمينة كقيمة أدبية واجتماعية خلاقة، إن الإنسان الحساس الذى يعيش مثل هذه المشاعر الثرية ثم يصادرها بحجة أو بأخرى إنما يضيع على نفسه وعلى البشرية مكسباً ثميناً، فى حين أنه بالإفصاح يتطهر ويتجدد ويضيف إلى التجربة الإنسانية رصيداً جديداً من المشاعر المحققة الموثقة.
ولئن تساءل القارئ عن السبب وراء قلة أعمالها الأدبية، وعما إذا كان عملها كأستاذة جامعية مرموقة أو انشغالها بالسياسة كمناضلة يسارية هما السبب فى ذلك لأنه سيقف على السبب الحقيقى خلال هذه المذكرات الحافلة بلقطات مشعة تلقى الضوء على مناطق محتجبة فى النفس، فتكشف الكثير من المستور المذهل، والخبىء المؤلم التواق إلى لحظة الإفضاء.
لقد فسرت الكاتبة نفسها أجمل تفسير، وقدمت شخصيتها على الوجه الأصيل بعد إزالة المساحيق والأغلفة الخارجية ففى إطار حملات التفتيش التى تعرضت لها الكاتبة طوال حياتها تقوم هى بحملة تفتيش إيجابية شريفة داخل نفسها، فإذا نحن نرى شخصيتها من زواياها المتعددة، الطفلة فى دمياط مفتونة بالشاعر الهمشرى وعالمه الساحر، الفتاة فى شرفة منزلهم تصطدم مشاعرها برؤية القتلى الوطنيين تصرعهم بنادق الحكومة العميلة، الطالبة الجامعية تنسى جسدها الأنثوى العبقرى لتصبح زعيمة طلابية وخطيبة سياسية مفوهة، المرأة زوجة السياسى المطارد من البوليس تقضى فى سجن الحدرة بالإسكندرية وقتا حميميا، خروجها من السجن إلى الزواج الثانى، اكتشافها للجسد، سطوع المرحلة الجسدية الجنسية فى حياتها واحتجاب الوجه السياسى المناضل، انفصالها عن زوجها الثانى، عودتها النهائية إلى شخصيتها الأولى وإلى الرفاق نادمة تائبة، اصطدامها بالحملة الساداتية المسعورة.
بيت القصيد فى هذه الأوراق هو زيجتها الثانية، هى رأس الدمل المؤلم الذى نجحت بالكتابة فى فعصه وتصفية أم القيح، لقد كانت لطيفة الزيات فى أوراقها الشخصية أشجع من الرجال كانت كذلك أنثى، تتناول أخص خصائص الأنثى بقدر كبير من الجرأة والمصداقية.
عدد الردود 0
بواسطة:
حلمى
الفاجومى
عدد الردود 0
بواسطة:
ahmed Shawki
الكابتشينوووووووووو
عدد الردود 0
بواسطة:
عبشكور
الله يقرفك يابعيد
فعص الدمل وأم القيح
اخص
عدد الردود 0
بواسطة:
مصرية جدا
ما هذا التشبيه المريض ?