مما لا شك فيه أن منصب وزير الداخلية له مقومات خاصة وسمات شخصية يجب توافرها فى الشخص الذى يتولى هذا المنصب، ومن أول هذه السمات وأهمها هو الحزم والشدة، ولكن ليس مع المواطنين كما يظن البعض، ولكن كل من تسوّل له نفسه الإضرار أو العبث بأمن البلد، (ثم الشدة والحزم داخلياً)، أى مع قيادات وزارة الداخلية الذين انقسموا مابين فلول للنظام السابق لأنهم كانوا مستفيدين منه، أو قيادات مغلوبة على أمرها واستسلمت للأمر الواقع، فظلّت على مكاتبها ورفضت النزول إلى الشارع وتقاعست عن إعطاء أوامر للضباط الذين يعملون تحت قيادتها للقيام بعملهم على أكمل وجه، خوفاً من إهانة المواطنين لهم.
وأتذكر حوارا للواء منصور العيسوى وزير الداخلية مع الإعلامية منى الشاذلى منذ وقت قصير وهو يرد على سؤال حول انتشار البلطجية وتراخى تعامل قيادات وضباط الداخلية معهم؛ فقال بالحرف (ياست منى فى الستينات كان مشيّب مصر بحالها وجود سفّاح واحد؛ فما بالك بآلالاف البلطجية الموجودين فى كل مكان)، وهذا رد العجز وقلة الحيلة، لأن البلطجية منتشرة بفضل التراخى والتهاون الأمنى الموجود، بل أن كثيراً من البلطجية هم الآن من أمناء الشرطة السابقين والحاليين، الذين تحوّلوا لميليشيات تتبع فلول النظام السابق وتنفذ أوامره، وتزرع الفتن فى كل مكان، وتكون شرارة انطلاق أى أزمة تمر بها مصر الآن.
وجود عسكرى أو ضابط شرطة فى الشارع الآن لم يشعرنى بالأمان أو الحماية، بل أشعر أنه هو الذى بحاجة لحماية.
ولاشك أن التفكير فى ضم قطاع الأمن المركزى للقوات المسلحة والعمل تحت قيادته، هى خطوة جدية لإنقاذ هذا القطاع من الظلم الذى يتعرض له وهو تحت قيادات الشرطة، لأن هذا القطاع هو من كان يستخدم فى مواجهة كافة الإضرابات بالبطش والتنكيل، وهو من كان يصطف على الجانبين لساعات طويلة لمجرد مرور شخصية مهمة أو وزير، أما فى حالة مرور رئيس الجمهورية فكان يصطف منذ ليل اليوم السابق على مرور الرئيس إلى ليل اليوم الذى يليه.
انتشار خطف النساء والفتيات فى وضح النهار وأمام أعين الناس لاغتصابهن، وخطف الأطفال لطلب الفدية من عائلاتهم، يشعرنى بأننا نعيش فى إيطاليا وسط عصابات المافيا وليس فى مصر، وإذا كنا بالأمس القريب ومازالنا تحت حد الفقر، فإننا الآن تحت خط الأمان، فنحن الآن لا نطمئن على أنفسنا أو أولادنا أو أموالنا وكل شىء الآن من الممكن أن يحدث لنا، والموت والقتل أصبح سهلاً، وأحياناً بدون عقاب، لأن الفاعل فى ظل هذه الظروف سيظل مجهولاً، لأن قتل بلطجى لمواطن وسرقته ثم الهرب أصبح شيئاً معتاداً، ولن يستطيع أحد معرفة من هو هذا البلطجى؛ وإلا كانوا عرفوا من يذهب لميدان التحرير ليزرع الفتنة بين شباب الثورة هناك.
لديا يقين بأن هذه المرحلة سوف تمر بإذن الله؛ وستعود مصر آمنة كما كانت، ولكن الله سبحانه وتعالى سبّب لنا الأسباب التى يجب نأخذ بها لنمر من هذه الأزمة، وأول هذه الأسباب اختيار الأصلح لشغل كل منصب فى الدولة، صغير أم كبير، ولا أعنى بذلك هجوماً على اللواء منصور العيسوى، فأنا أقدره وأحترمه على المستوى الشخصى، ولكنى أعنى الأداء الفعّال من الشرطة الذى نفتقده إلى الآن، والقضاء على القيادات الفاسدة بالداخلية التى مازالت تُشعل نار الفتن فى الوطن بين الحين والآخر، لأنها تتعامل بعقلية الأمس، وبنفس الأسلوب العقيم الذى كان من أهم الأسباب التى أدت إلى غضب الشعب وثورته على النظام.
