غارقا فى وحدته، عازفاً عن ارتياد الحياة، متجولاً فى نفسه، يصيبه بالجنون صوت كلاكسات السيارات ومشاحنات المارة حتى صوت الباعة الجائلين أسفل نافذته يُربِكه يُخرجه من عالم الصامت الذى اعتاده منذ رحلت أمه، ولحقها بسنوات والده وبقى هو وزوجته فى البيت الفسيح الخاوى من صخب الأبناء ودفقة الحياة، بقيا عالقين فى الوحدة والحزن، حينما أغلق الأطباء فى وجههما باب الإنجاب حتى السعى وراء الحُلم عزِف عنه. لم يكن يشعره بالحياة سوى قطة عجوز انتقل إليها عدوى الصمت، وإصيصات وروده وزروعه الذى يعتنى بها أيّما اعتناء.
كان يعمل فى وظيفته القريبة من البيت وحين يعود إلى بيته لا يخرج أبدا فلا يلبى دعوة ولا يرد على هاتف، حتى الهاتف المحمول لا يستخدمه! حتى يئس منه الجيران وزملاء العمل، وانصرفوا إلى حياتهم فلم يعدوا يهتمون به ولا بالسؤال عنه. كانت هوايته الوحيدة هى سقى وروده والاعتناء بإصيصاته الخضراء يأتنس بهم يحدثهم ويحدثونه، وقطته العجوز التى تتبعه أينما ذهب وتنام فى حضنه لا تعرف، هل تأتنس به أم يأتنس هو بها؟!، كانت تسمعه وهو يحادثها ويربت على ظهرها فترد بموائها، وكأنها تقول له نعم أفهمك وأشعر بك.
وبعد سنوات طويلة، وحينما أذن الله عادت زوجته بالحُلم أخبرته أنها تحمل طفلهما! فهرع إلى النافذة، راح يدق على أبواب جيرانه، اتصل بزملائه بالعمل يخبرهم. الآن أصبح للحياة معنى. الآن سيفتح النوافذ للشمس والهواء ولصوت الباعة الجائلين! سيركض وراء أحلامه، سيكمل رسالة الماجستير التى أهملها ليتشرف به ابنه حينما يكبر سيقبل بالأعمال الإضافية ليزداد دخله ـ وسيشترى محمولاً جديدا! سيتصل بالحياة والأصحاب، سيرد على الهاتف سيلبى كل الدعوات، لن يكون وحيداً بعد الآن.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
محمد
موضوع شيق
عدد الردود 0
بواسطة:
ابراهيم
زينةالحياة
عدد الردود 0
بواسطة:
اسكندراني
سؤال