بات الأمر يزداد وضوحا مع تعاقب الأحداث إن ما يحدث الآن من فوضى ليس سلوكا عشوائيا بما يشير إلى أن الفوضى أصبحت صناعة مثلما تصنع أى شىء ولعل الأمر يحتاج إلى إيضاح.
السلوك العشوائى هو سلوك غير هادف وغير مقصود وهو رد فعل أكثر منه مبادرة للسلوك ومن ثم نتفهم أن تحدث مظاهرة من أهالى الشهداء احتجاجا على تأخير المحاكمات، لكننا لا نتفهم أن يمتلئ ميدان التحرير بالبلطجية ولا نتفهم أن تنسحب المظاهرات على بعض المحافظات لكن يظل السؤال كيف تكون الفوضى صناعة؟
الإجابة تجعلنا نصطدم بفكرة المؤامرة التى يرفضها الكثير، لكن مهلا قبل أن ترفض سأسأل بعض الأسئلة ولنفكر سويا عزيزى القارئ:
1- كيف نفسر اشتعال الفتنة الطائفية بأسباب غير صحيحة من قبيل أن يأتى أحد المجهولين ليقول للناس إن فتاة أسلمت محتجزة بداخل الكنيسة وتكرار الحادثة بنفس الأسلوب ونفس الشكل؟.
2- كيف نفسر وجود بلطجية فى ميدان التحرير؟
3- كيف نفسر أن ينادى المتظاهرون فى ميدان التحرير بسقوط المشير وإفراغ الوطن من كل شرعية تحميه؟
4- كيف نفسر أن الثوار أنفسهم وقفوا يتساءلون عن من هم هؤلاء الذين فى الميدان ويمسكون السيوف؟
تبدأ صناعة الفوضى بالشائعات وهو منهج قديم يستخدم لنشر البلبلة بين الناس وهو نفسه الأسلوب الذى يستخدمه الذين لا يحبون الوطن وهو تعبير أقل ما يمكن أن يوصف به هؤلاء ولا نعرفهم إلا بوصف أعداء الوطن إذ يلعبون على وتر الحس الدينى ويلعبون على وتر الجهل المستشرى بين العامة بأحكام الدين والعاطفة التى تميز بها الشعب المصرى مسلميه بأقباطه وهو سلوك جمعى معروف عند المصريين بالغيرة على الدين ومن ثم فضرب الوحدة الوطنية هو الطريق الرئيس لتلك الصناعة.
الخطوة الثانية إثارة القلاقل بهروب المساجين المتكرر من الأقسام وإشاعة روح الخوف والرعب فى نفوس الناس وانتشار الحوادث المؤسفة بين الناس.
باختصار محاولة إسقاط الأداة الرادعة للإيحاء أننا نعيش فى عالم الغاب وكل واحد يفرض قانونه والبقاء للأقوى، هناك مصلحة لهؤلاء فى عدم عودة الشرطة لسابق عهدها وإضعاف عملها.
الخطوة الثالثة المتاجرة بدم الشهداء لاستثارة العامة من الناس وفرض مناقشات جدلية عقيمة وساهم بذلك مجموعة من الكتاب للأسف فرضوا وصايتهم على الناس ووقفوا على قارعة الطريق يبيعون دماءهم بكراهية الشرطة وتخوين الحكومة وتسترها على القتلة وبطء محاكمتهم والحقيقة أن الاعلام متورط بشكل مقصود أو غير مقصود! إما أنهم متآمرون أو أنهم فى طور المراهقة الإعلامية ولم ينضجوا بعد.
هناك برامج بعينها ساهمت بشكل كبير فى تلك الصناعة عبر المبالغة فى عرض وربما تبنى وجهة النظر الفوضوية وكأن ميثاق الشرف الإعلامى هو أيضا سقط مثلما سقط الرئيس وبالطبع هناك برامج تحلت بالمسئولية غير أن الدعوات كانت مريبة مثلا فى محاولة عدم الاعتراف بنتيجة الانتخابات وعمل حملة إعلامية مضللة لتعديل الدستور أولا وتلك دعوة ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب.
نعم أن تعديل الدستور طلب منطقى، لكن الشعب اختار الاستقرار وباطن تلك الدعوة المزيد من غياب الأمن والمزيد من التدهور الاقتصادى!
وتجد جميع البرامج بلا استثناء تتناول هذا الموضوع بمزيد من التعقيد ما بين مؤيد وما بين معارض فتجد الإخوان المسلمين يرفضون والليبراليين ينادون بتعديل الدستور وهذا الجدل فى رأيى ترف النخبة لا يليق بوضع راهن صعب للوطن والشعب هو الذى قام بثورته وليست النخبة التى فشلت فى إحداث الفارق بل وتعاونت مع النظام من أجل مكاسب زهيدة وبقيت لا تملك سوى بضع كلمات فقدت معناها وهى تخرج من أفواهم.
قديما قالوا من يملك المال يملك السلطة لكن الآن من يملك القلم يملك السكين! تصفية الحسابات خطوة أخرى فى صناعة الفوضى فهدم كل الرموز وإقصاء القيادات من أماكنهم بحجة التعاون مع العهد البائد وكأن الرئيس السابق أجنبى من حقبة ملكية أجنبية واتهام كل من تسول له نفسه الوقوف ضد مخططاتهم للهدم بأنه من الفلول!! وثورة مضادة!! والأيام الأخيرة اكتشفنا أن مصر كلها أصبحت فلولا وثورة مضادة وكلهم تعاملوا مع النظام, كلهم تم تعيينهم من قبل مبارك وكلهم ولدوا فى عهده!!
السكين المستخدم لنشر الفوضى والتشكيك فى المصريين هو أداة مهمة لنشر وصناعة الفوضى فى المجتمع فقد اكتشفنا أن كلهم خونة بينما هم الوطنيون يحملون الشهداء على أيديهم ولامست دماء الشهداء أجسامهم!!
الحق أقول إن لم تكن الفوضى صناعة فماذا تكون! بالطبع ليس سلوكا عشوائيا فالعشوائية لا هدف لها أما ما يحدث فهو منظم ومقصود لإسقاط مصر لكنها شامخة منذ 7000 عام ولن يفلحوا إذا أبدا.
مواجهة تلك الصناعة لا يكمن إلا بالتفاف واع حول المجلس العسكرى وتأييد خطواته لأننا كشعب قبلنا توليهم المسئولية ومن ثم أعطيناهم تفويضا لادارة شئون البلاد ولا بد أن يكون لديهم المساحة التى تجعلهم يحملون الأمانه وهم أهل لها وهم أمناء على الوطن.
المجلس العسكرى هو الشرعية الوحيدة فى مصر بجانب القضاء والوقوف ضدهم هو الحمق بعينه إذ لا يعقل أن تدار البلاد بالأهواء وإنما بالعقل.
لا بد أن يتم تفعيل ميثاق الشرف الاعلامى ووضع خطوط حمراء فبلد ليس به خطوط حمراء هو بلد يشتعل فيه النيران.
إن مصر خط أحمر ,أمانه خط أحمر, تهييج الجماهير خط أحمر, الفتنة الطائفية خط أحمر.
إن مصر تحتاجنا الآن أن نكون أوفياء لها ونغلب المصلحة العامة على المصلحة الخاصة.
مصر تحتاج من أن ندعم أداة الردع فيها ونساعد الشرطة على أن تعود مرة أخرى.
نحتاج الآن للحزم, للقوة الرشيدة,إن المجلس العسكرى يستخدم أعلى درجات ضبط النفس ونحتاج منه أن يكون شدة للقضاء على البلطجة.
إن مصر التى فى خاطرى بلد جميل ونفتخر به ومن الحكمة الحفاظ عليه وليس تخريبه فرجل بلا وطن كجسد بلا روح.
