جمال نصار

العولمة ودورها فى طمس الهوية «1»

الخميس، 07 يوليو 2011 03:54 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
فكرة العولمة تمتد جذورها الأولى من خمسة قرون بظهور فكرة الدولة القومية محل فكرة الإقطاعية.. ومع زيادة التقدم أصبحت الدولة لا تستوعب حجم السوق، فظهرت الشركات متعددة الجنسيات، وحلّت فى مجال السوق محل الدولة تدريجيّا، حتى أضحى العالم مجالاً لعمل هذه الشركات التى تتعدى المئات، وتزيد قيمة رأسمالها على ميزانية مجموعة من الدول النامية.
ويقصد بثقافة العولمة الإطار المعرفى الذى يجعل النظام الرأسمالى مقبولاً من سائر الشعوب، ولا يكون فى هذه الحالة فى صورة ظاهرة تتمثل فى إخضاع عقل هذه الشعوب لتقبل النظام الرأسمالى فحسب، بل إعلانًا للتكييف من قبل مفكرين استراتيجيين مخططين لوضع دعامات فكر بعينه، ييسر تقبل فكرة الانخراط فى حركة الرأسمال وسيرورته كما يحلو للغرب أن يسيره.
والكلام فى ثقافة العولمة متشعب، ومن الصعب حصره أو الإلمام به، ولكن يمكن القول: إن الإطار الفكرى أو الثقافى لأفكار دعم الرأسمالية يعمل بدأب على إقناع الشعوب بموافقته للعقل؛ لأنه يحقق رغبات الأفراد بحرية مطلقة، وإذا اعتبرنا أن هذه الأفكار تقف على قاعدة أساسية تمثل نظرية خاصة بالمجتمع الرأسمالى، فإن هذه النظرية تزعم أن الرأسمالية مشروعية أزلية، بحيث صارت نظامًا يمثل نهاية التاريخ.
ومشروع الرأسمالية لا يقتصر على قاعدته الاقتصادية فحسب، بل ينحو إلى إيجاد نظرية متكاملة، وإن كان الاقتصاد قاعدتها، فإن أركانها تقوم على تحقيق رغبات أفراد المجتمع، كما تفرض أنماطًا اجتماعية وسياسية، وثقافية، وأنماطًا معيشية تمتزج بالقاعدة وتتفاعل معها لتصبح نمطًا رأسماليّا معولمًا، يخبئ فى بطنه رغبة كامنة تظهر وقت الحاجة، عندما يشعر أصحاب النظرية الرأسمالية بخطر يتهددها، وعند ذلك تكشر الرأسمالية عن أنيابها، وتكشف مخالبها كما حدث فى حرب الخليج، ومحاصرة شعوب العالم الثالث، واتخاذ قرارات تعسفية إزاء رفع دول الخليج لأسعار البترول، وفى فرض الحظر النووى على الدول الإسلامية وتهديدها بشتى العقوبات.
وهكذا فإن الرأسمالية تفرض نفسها على الشعوب بما يتلاءم مع مصالحها، ويقف سياسيون محترفون، ومثقفون استراتيجيون وراء فرضها على العالم وفى مقدمة هؤلاء: «فرانسيس فوكوياما» وكتابه: نهاية التاريخ، و«صمويل هنتجتون» فى كتابه: صدام الحضارات، وإعادة صنع النظام العالمى، وهى أفكار رئيسية تعضد نظرية العولمة الأمريكية، وربما تعضدها أعمال أخرى لمثقفين استراتيجيين من النوع نفسه، إلا أن هذه الأعمال تقوم بدور المحاور الأساسية، فإذا كان ثمة أفكار أخرى فهى تدور فى فلكها.
فالعولمة ليست قاطرة للتنمية الشاملة بقدر ما هى قضبان يسير عليها فكر جديد، وهى عودة للفلسفة القائمة على فكر القوة والغلبة لمن يستطيع أن يدخل فى المنافسة.
إن ثقافة العولمة ثقافة أمريكية بالدرجة الأولى، والثقافة الأمريكية ثقافة برجماتية أداتية عملياتية، سواء فى إطارها العرفى العام أو فى جزئياتها داخل الإطار المعرفى العام، ترمى إلى تفعيل البعد النفسى للفرد فيقبل كل متواضعاتها، وإن أثر ذلك سلبًا فى البنية الاجتماعية الموضوعية.
إن هذه الثقافة تخدم ثقافة السوق الاستهلاكية طبقًا للصورة المهيأة للعالم من المنظور البرجماتى، ومن ثمّ فهى تهيئ الفرد نفسيّا وسلوكيّا ليكون خاضعًا لآلياتها مستجيبًا لمتطلباتها، دونما تفكير فى الاعتراض أو التعديل.
ومخططو هذه الثقافة فى مجالاتها التسويقية لا يعنيهم احترام البعد الأخلاقى فى الإنسان، بقدر ما يهمهم نجاح خططهم فى تحويل كل المجتمعات إلى مجتمعات مستعدة لقبول هذه الثقافة وتسويقها، حتى ولو سحقتهم آليات السوق الجهنمية، فهم يكيفون الفرد لآلياتهم المعرفية فيعيش فى حلم الخلاص الفردى دونما إحساس بما يمكن أن يتعرض له الأفراد من سحق السوق المعولمة الوحشية لهم.








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة