بين ائتلافات شباب الثورة المصرية، التى يستحيل حصر عددها أو حفظ أسمائها، أو التمييز الدقيق بين رؤاها السياسية، تيار واسع، يرى أن على الثوار الذين شاركوا فى ثورة يناير، أن يبقوا بعيداً عن الأحزاب التى يجرى تأسيسها فى مصر الآن، حتى لا يقحموا أنفسهم فى المجادلات والاختلافات الحزبية، فتتفرق صفوفهم، ليظلوا بمثابة «ضمير الثورة»، يسعون لاستكمال تحقيق بقية أهدافها، ويضغطون فى سبيل تحقيق ذلك، بأسلوب «مليونيات ميدان التحرير»، باعتباره أسلوب النضال الذى أثبت فاعليته، وحقق الهدف الوحيد الذى تحقق من أهداف الثورة، وهو إسقاط النظام السابق، بفضل وحدة الثوار لا تحزبهم، وتجمعهم لا تفرقهم.. وربما كان هذا الاتجاه هو سبب تعثر خطوات إشهار عدد ملحوظ من الأحزاب السياسية الجديدة، بعد أن أعجزها عزوف ائتلافات شباب الثورة عن العمل الحزبى، عن الحصول على الحد الأدنى الذى يشترطه القانون من الأعضاء المؤسسين، وهو خمسة آلاف عضو..
والحقيقة أننى لا أجد تناقضاً بين الانضمام للأحزاب، وبين اللجوء عند الضرورة، إلى استخدام جميع أساليب النضال الديمقراطى السلمى من التظاهر إلى الإضراب، ومن الاعتصام إلى مليونية التحرير، دفاعاً عن حقوق أو مطالب سياسية أو اجتماعية مشروعة، فالأحزاب نفسها تدعو إلى ممارسة مثل هذه الآليات الديمقراطية، وتشارك فى مليونيات التحرير، كما أن الانضمام فضلاً عن أنه تعبير عن التنوع الطبيعى فى الآراء والاجتهادات والمصالح، لا يؤدى - بالضرورة - إلى التفرق والتشرذم، والانعزال عنها، لا يسفر بالضرورة، عن الوحدة والاندماج، بدليل أن ائتلافات شباب الثورة نفسها، لم تندمج جبهة أو اتحادا أو ائتلافا واحدا، بل وتشرذمت حتى تجاوزت المئات..
أما المهم فهو أن شيوع هذا الاتجاه، بين شباب الثورة، يحول دون تحقيق الهدف الرئيسى للثورة، وهو بناء نظام ديمقراطى حقيقى طبقا للمعايير الدولية، وهذه المعايير تؤكد أنه لا ديمقراطية من دون تعددية سياسية منظمة، وأن انقسام المجتمعات إلى أحزاب ورؤى سياسية، هو الذى يعصمها من الانقسام إلى طوائف دينية أو عرقية أو جمهورية، وأن الأحزاب هى المدرسة التى يتعلم فيها الناس السياسة، والانضمام إليها شرط من الشروط الأساسية، لكى يكون الإنسان مواطناً صالحاً، ومن دون أحزاب قوية لها رؤى محددة، وتعبر عن اتجاهات ومصالح أساسية فى المجتمع، يصعب قياس اتجاهات الرأى العام، عبر الانتخابات النزيهة، ويستحيل رسم سياسة تحقق مصالح الشعب..
ما أخشاه، وما أتمنى أن يصنعه هؤلاء الشباب، الذين يفضلون العزوف عن المشاركة فى الأحزاب، اكتفاء بالنضال عبر مليونيات التحرير، هو أن يقودهم هذا الموقف مع الزمن، إلى الانصراف عن الشأن العام، ليعودوا مرة أخرى، إلى صفوف الأغلبية الصامتة، وبذلك تتبدد الثمرة الأساسية والباقية للثورة، وهى عودة هذه الأغلبية - وبالذات الشباب - إلى الاهتمام بالشأن العام والعمل بالسياسة..
ذلك احتمال خطير، تؤكد شواهد كثيرة أنه لايزال وارداً فى ظل الانقسامات المتعددة، فى صفوف ائتلافات الثورة، والتوالد السرطانى لهذه الائتلافات، وعجزها عن التوصل إلى رؤى سياسية مشتركة فيما بينها، وتباين رؤاها حتى تجاه الأسلوب الرئيسى الذى اعتمدته لنضالها وهو مليونيات التحرير..
وربما كان آخر الشواهد على ذلك، هو أن بعض هذه الائتلافات، أسرعت فى أعقاب الصدام الذى حدث يوم الثلاثاء الماضى، بين الشرطة وفريق من المتظاهرين إلى الدعوة إلى مليونية الوفاء للشهداء، فى الأسبوع نفسه، من دون أن تتشاور مع غيرها من الائتلافات التى اعترض بعضها على الدعوة، مما أدى إلى تقلص أعداد المشاركين فيها، وإلى تضارب مواقفهم، بعد انتهاء الوقت المحدد لها، بين المنتمين لائتلافات قرر أعضاؤها تحويلها إلى اعتصام، والذين اعترضوا على هذا الاتجاه..
ومن هذه الشواهد كذلك الخلاف المتكرر، بين ائتلافات الثورة، والأحزاب السياسية، حول الشعارات التى تجتمع حولها هذه المليونيات، وربما كان آخرها الخلاف حول شعار مليونية 8 يوليو، التى بدأت بالدعوة إلى الاحتشاد حول شعار «الدستور أولاً»، وهو ما دفع الذين يرفعون شعار «الانتخابات أولاً» إلى الإعلان عن مقاطعتهم لها، وعزمهم على عدم المشاركة فيها، وهو موقف معقول وطبيعى، لأن انعقاد المليونية تحت شعار واحد ومحدد، يقصر الاشتراك فيها على الذين يؤيدون هذا الشعار، يحولها إلى مقياس مقبول لمعرفة اتجاهات الرأى العام.. بحيث يستطيع صاحب القرار أن يستند إلى حجم الإقبال على هذه المليونية فى تحديد موقفه من الشعار الذى احتشدت حوله.. إلاّ أن آخرين ينتمون إلى ائتلافات الثورة، قرروا المشاركة فى المليونية لتحقيق مطالب أخرى، مثل الإسراع بمحاكمة أقطاب النظام السابق، والمسؤولين عن قتل المتظاهرين، وإقالة عدد من الوزراء، وأطلقوا عليها اسم «جمعة تحديد المصير» ثم استقروا أخيرا على استبعاد شعار «مليونية الدستور أولا» ليحل محله شعار «الثورة أولا».. وهو ما يفقد المليونية صفتها كقياس لاتجاهات الرأى العام، لتعدد وأحياناً تناقض، الشعارات التى تحتشد حولها.. لتتأكد الحقيقة التى قلناها: لا تناقض بين الانضمام للأحزاب وبين النضال بالمليونيات، ولا وسيلة لمعرفة اتجاهات الرأى العام من دون الجمع بينهما.
عدد الردود 0
بواسطة:
سلوي
وانا اقول مصر اولا
عدد الردود 0
بواسطة:
نانسي ابيض
اللي ما معوش ما بيلزموش