عزيزى القارئ، هل لديك إجابة وافية شافية للتساؤل الآتى: من هم الذين نفذوا موقعة الجمل الثانية، انطلاقا من تحطيم مسرح البالون، وصولا إلى ميدان التحرير، والاشتباك مع قوات الأمن، ومحاولة اقتحام وزارة الداخلية؟
بعد ضحكة مكتومة، ستجيب بلا تردد: وهل الأمر يحتاج لذكاء وفطنة، فالقاصى والدانى يعلم أنهم كانوا من البلطجية المارقين المدفوعين من قبل فلول وأذناب الحزب الوطنى المنحل، ردا على قرار حل المجالس المحلية، بيد أننى طامع فى سعة صدرك، عندما أخبرك بأن تلك ليست الإجابة الصحيحة، فالذين خرجوا كانوا من المهمشين الذين ينتمون لبقايا وفلول الطبقة المتوسطة التى غربت شمسها فى عهد حسنى مبارك.
فهؤلاء هم من ضاع حلمهم البسيط فى اللحاق بذيل قطار الطبقة المتوسطة، ولم ينجحوا فى أخذ نصيبهم من الحظ الوفير لعلية القوم من الأثرياء الجدد، لأنهم فشلوا فى توظيف المناخ العام المساعد على الفساد والإفساد، وتكوين ثروات طائلة بأقل جهد ممكن وبأقصر الطرق والسبل، وكل المطلوب منك، لكى تحقق ذلك، الارتكان على اكتاف مسئول فى موقع القيادة بالحزب الوطنى أو البيت الرئاسى، بعدها تتفتح لك أبواب الجنة الدنيوية ونعيمها.
وبما أن المهمشين أخفقوا فى الاحتماء بالمنطقة الوسطى، ما بين أعلى السلم وأسفله، لم يكن باستطاعتهم سوى فتح صدورهم وعقولهم لدفعات متتالية من الحقد والكراهية على كل ما يحيط بهم، وهو ما قاد لزيادة رغبتهم واستعدادهم لايذاء المجتمع الذى لفظهم وشردهم ولا يمنحهم الدرجات الدنيا من الاحترام والأدمية، ويعاملهم كفئة منبوذة يحتقرها ويحرض عليها كلما واتته الفرصة، ويصفهم حينا بالبلطجية وعصابات العنف ومحترفى الإجرام وحينا آخر بالفقراء والمستضعفين فى الأرض.
وبالتالى أصبح هؤلاء عجينة طيعة فى يد الذين حرمتهم ثورة الخامس والعشرين من يناير من الجاه والسلطة، وسعوا لاستثمار مخزون الغضب فى نفوس المهمشين الذين استجابوا بدون تفكير، ولم يكن المال دفعهم الوحيد للتجاوب، بل أيضا تغذية شهوة الانتقام الكامنة والمتأججة فى صدورهم وفى سبيلها لا يمانعون فى إحراق وإتلاف جنبات الوطن، وما يستفزك ويثير حنقك أن الشعب المصرى لم يحافظ على روح الخامس والعشرين من يناير التى انصهر فيها جموع المصريين داخل وعاء واحد لا يميز بين هذا وذاك بمعيار وميزان الدين والعرق والغنى والفقر، فالجميع وقفوا صفا واحدا يعضد بعضه البعض.
وبدلا من اقتناص الفرصة السانحة والبناء عليها، لإعادة صياغة المجتمع وإحداث توازن عادل بين فئاته وطبقاته واسترداد المكانة المغيبة للطبقة الوسطى، إذا بنا نتخلى عنها بسهولة، وكأنها كانت حلم ليلة صيف، ورجعنا مرة أخرى للتقسيم الطبقى والفئوى، ومنح الأوسمة والنياشين، فهذا المواطن كان ثوريا من الدرجة الممتازة وهذا من الدرجة المتوسطة وذاك كان عميلا وخائنا، ومن ثم تفرق جمعنا وشملنا وعزفنا لحن الانقسام والتشرذم، وبعدها نبكى ونتباكى على أن المشاركين فى الثورة المضادة يمتلكون المبادرة ويطعنون الثورة فى مواضع حساسسة تهدد بموتها.
إن غزو المهمشين لميدان التحرير ـ والذى لن يكون الأخير ـ جرس إنذار للحالمين بمستقبل واعد لمصر، ويدعوهم للالتفات لمن همشهم نظام حسنى مبارك، لتحديد علاج سريع لمشكلاتهم ومتاعبهم، حتى لا نفاجأ بأننا كلما سرنا خطوة للإمام يشدونا خطوات للخلف، فهؤلاء أخطر على الثورة من مكائد ومؤامرات أقطاب النظام المخلوع، لأن الذراع المنفذة لها هم المهمشون.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
مجدي المنسي
برافو مع التحفظ
عدد الردود 0
بواسطة:
عبدالعليم الهنداوي
معلهش إحنا بنتكلم
لم يحالفك التوفيق في هذا المقال
عدد الردود 0
بواسطة:
جميل المشايخ
اهنت الكثيرين بمقالك