كلما رأيت صورة الرئيس السابق حسنى مبارك، التى لا يظهر غيرها فى الصحف، وهو يعض على شفته، تذكرت على الفور الأفلام والمسلسلات المصرية التى صورت مجتمع مكة أثناء الرسالة النبوية الشريفة، فقد دأب المخرجون على تصوير المسلمين، وهم يرتدون ملابس بيضاء، ويشع من وجوههم نورا، بينما الكفار يتشحون بالسواد، وذقونهم داكنة، فى هيئة أقرب إلى الشياطين، منهم إلى البشر العاديين.
وقبل أيام قليلة من تخلى مبارك عن سلطاته، لم تكن صحيفة مصرية تجرؤ على نشر غير الصور المعتمدة له من رئاسة الجمهورية، وليس سرا أنه كانت لدى كل الصحف، بما فى ذلك من تقول إنها مستقلة، صور مبارك وزوجته ونجله جمال مرسلة من رئاسة الجمهورية، ومكتوب أسفلها لا تستخدم غير هذه الصور المعتمدة.
لكن مبارك الذى كانت الصحف لا تنشر له سوى صور رسمية، انقلبت مائة وثمانين درجة، وأصبحت تبحث عن الصور الغريبة، التى تظهره شريرا، على طريقة كفار قريش فى أفلامنا القديمة.
مشكلتنا فى الصحافة ووسائل الإعلام المختلفة، وحتى فى الشارع، أننا نتعامل دائما مع الناس على اعتبار أنهم إما ملائكة، أو شياطين، رغم أن الناس بشر، فيهم الأبيض والأسود، وكل إنسان فى داخله مساحات من اللونين تزيد أو تقل، لكن لا يوجد إنسان شيطان فى المطلق، ولا بشر ملاك هبط من السماء.
وحين قامت ثورة يوليو 1952 تم رفع جميع صور الملك فاروق، وتماثيل الأسرة العلوية، وانشغل الرقيب على السينما بوضع علامات سوداء على أى صورة تظهر للملك السابق فى الأفلام المصرية القديمة، وتحول فاروق، أو حولته الثورة وصحفيوها إلى شيطان مكتمل الشيطنة، بينما حين تناولته الكاتبة لميس جابر فى مسلسل عرض قبل عدة أعوام فى رمضان أظهرته كملاك ورجل وطنى مظلوم، بينما هو مثل أى إنسان آخر فى العالم أصاب وأخطأ.
لكن الغريب مثلا أن أدولف هتلر الذى تسبب فى حرب عالمية قتل فيها ملايين الأشخاص، ودمرت معظم دول العالم القديم، وامتدت إلى ثلاث قارات، حينما يجرى الحديث عنه فى الصحف الألمانية أو فى أى دولة غربية أخرى تنشر صوره العادية، ولا يتفنن الصحفيون فى البحث عن أسوأ لقطات لهتلر تظهره كشيطان، بل إن هناك مئات من الأفلام الوثائقية الأوروبية والأمريكية التى وثقت للحرب العالمية الثانية يظهر فيها هتلر بشحمه ولحمه، ولم يطلب أحد التخلص من صوره وأفلامه باعتبار أن ما قام به هو جزء من تاريخ البشرية، حتى ولو كان تاريخه إجراميا وملطخا بالدماء.
أنا شخصيا أعتقد أن إجماع الصحافة المصرية على نشر صورة مبارك وهو يجز على شفته، ويبدو شريرا، أو مهزوما، هو نوع من المراهقة الصحفية، وهى دليل على عدم نضج المجتمع الذى يقسم البشر على ملائكة وشياطين، ولا يقبل بفكرة أن كلا منا بداخله ملاك وشيطان فى نفس الوقت.
والغريب أن هذا المنطق، " التعامل على طريقة كفار قريش"، هو أقرب ما يكون لجملة الرئيس الأمريكى السابق جورج بوش الابن، "من ليس معنا فهو ضدنا"، وقد اعتبرناها جميعا تمييزا، ومصادرة على أبسط حقوق الإنسان وهو الحق فى الاختلاف، رغم أننا أيضا نتعامل بنفس المنطق، من معنا ملاك، ومن ليس معنا فهو شيطان رجيم جاء من عصر كفار قريش!
عدد الردود 0
بواسطة:
مصرى
على الرغم من عدم حبى لمبارك ولكن اتفق معك
اتفق معك
عدد الردود 0
بواسطة:
صوت الضميرn#h
أشاركك الرأى
عدد الردود 0
بواسطة:
مصرية تحترم الشجعان
تحياتي وإحتراماتي
عدد الردود 0
بواسطة:
ابوكامل
مبارك وهتلر
عدد الردود 0
بواسطة:
حـامـد غـانـم
ثقافة موروثة ولن تتغيرأبدا ..
عدد الردود 0
بواسطة:
كريم فرج
مش مصدق
عدد الردود 0
بواسطة:
سامح
الــى تعــليق رقـــم (2)
عدد الردود 0
بواسطة:
عندك حق
عندك حق
عدد الردود 0
بواسطة:
medo
الصحفى ده راجل طيب باين عليه
عدد الردود 0
بواسطة:
شيماء سراج
لك الله يامصر ....