استدارت السفن الأمريكية التى كانت فى طريقها نحو شرق البحر المتوسط للقيام ببعض المناورات العسكرية فى 28 سيبتمبر 1970، عائدة لموطنها، بعدما علمت نبأ رحيل جمال عبد الناصر، بعد أن صدر لها تعليمات بالعودة، والسبب أن الرجل الذى كان يجب أن يسمع صوت مدافعها قد مات.
هكذا يبدأ الدكتور مصطفى عبد الغنى كتابه " نحن والغرب" الصادر حديثا عن دار العالم العربى، بالرواية التى رددتها الصحف الغربية على أثر رحيل جمال عبد الناصر، مشيرا إلى غياب إستراتيجةي موحدة فى مواجهة الصلف الإسرائيلى الذى يتردد منذ إجتياحها لفلسطين إثر الإنتفاضة الثانية فى 28 سيبتمبر أيضا، حيث يشير عبد الغنى إلى أن فكرة الوحدة العربية لا تذكر الآن إلا ويذكر معها عبد الناصر، وإن امتزاج هاتين الفكرتين القومية والعربية وعبد الناصر، يعنى الوصول إلى معنى ثالث، مؤكدا على الحاجة للوعى القومى العربى وليس الوعى القطرى وحده.
ويشير عبد الغنى فى الكتاب إلى أن جمال عبد الناصر كان فيا بالوعى القطرى، وفى الوقت نفسه كان واعيا للوعى القومى، مؤكدا على ضرورة الإلتفاف إلى الخصوصية القطرية العربية فى كل إقليم خاصة أننا نعيش عصر العولمة الأمريكية، ويشدد عبد الغنى على ضرورة أن نستخدم مفهوما أكثر دلالة فى التعبير الآن وهو " الخصوصية الثقافية.
ويحذر عبد الغنى من أبرز أخطار القرن الحادى والعشرين التى تحمل خطر التعدد ولا تلغيه، ويعرفه عبد الغنى بأنه حين تصبح الأقطار العربية بيادق تنفرط فى رقعة الشطرنج، وحين تصبح فكرة الوعى العربى لا الجغرافى بالضرورة سرابا، حيث يحشد الغرب كل ما فى جعبته من فلول ماكرة من صراع الحضارات ونهاية التاريخ، والربط بين الدين والإرهاب، وهى كلها تعوق حركة الوعى العربى وتشتت قطع البيادق فى وعى عربى واحد يمثله رمز مثل جمال عبد الناصر.
ويتناول عبد الغنى فى الكتاب الصراع بين العولمة والعوربة لافتا إلى أن آخر تعريف للعولمة كما أورده المفكر اليسارى الراحل محمود أمين العالم فى العدد الأخير من مجلة قضايا فكرية عام 1999 حين قال، إن مصطلح العولمة هو تعبير عن ظاهرة تاريخية موضوعية، تمثلت أولا فى ثقافة تخلقت وتشكلت من رحم الأنساق الإقطاعية فى أوروبا وهذه الثقافة تتسم بنمط إنتاجى هو نمط الإنتاج الرأسمالى الذى أخذ يمتد ويتوسع، حتى أصبح حضارة عصرنا الراهن، اختلف مستواها من مجتمع لآخر، فأصبحت اليوم حضارة رأسمالية عالمية تعد امتدادا تاريخيا متطورا ومتجاوزا لمختلف الثقافات والحضارات الإنسانية.
ويعرج عبد الغنى فى كتابه لمسألة الهوية الأمريكية والمستشرقون الجدد حيث يشير إلى أن كتاب "هنتنجتون" الجديد " تحديات الهوية الوطنية الأمريكية" أشار لتوجهه المشبوه فى كتابه السابق " صدام الحضارات" حيث أكد فى كتابه على أن العداء للإسلام والحضارة الإسلامية قد يساعد بشكل كبير فى تحقيق التفاف الأمريكيين المنشود حول هويتهم الوطنية فى المستقبل المنظور، وهو ما يريد أن يؤكده على أن هناك خطاب جديد يرغب فى إيجاد عدو جديد بعد سقوط العدو السابق " الاتحاد السوفيتى" مع سور برلين فى نهايات القرن الماضى.
ويتحدث عبد الغنى فى كتابه عن التكنولوجيا لافتا إلى أن الأقطار العربية لا تفق فى منطقة متقدمة من العالم الغربى الذى يتقدم بسرعة مذهلة فى المستوى التكنولوجى، خاصة الولايات المتحدة الأمريكية التى تسن قوانين لتظل فى مقدمة الركب.
ويلفت عبد الغنى إلى ضرورة اللحاق بالدول الكبرى خاصة فى مجال التكنولوجيا وتخطى ما يسميه بالفجوة الرقمية، عبر حث الحكومات العربية على التعاون الخلاق فى المدن الذكية ووضع إستراتيجية مشتركة، وضرورة الخروج إلى العالم لننتبه إلى ما يدور حولنا
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة