محمد فوزى طه يكتب: الفران والثورة

الأحد، 31 يوليو 2011 11:50 ص
محمد فوزى طه يكتب: الفران والثورة ثورة مصر

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
صوب النار وبالكوريك الخشبى الطويل يدفع (راضى) بالقطع الخشبية نحوها لتزداد اشتعالا ووهجا ثم يبدأ فى رص الأسماك المتنوعة هنا وهناك على السطح الساخن بتوزيع دقيق مقلبا إياها ليتم الشواء على الوجه الأكمل للزبائن المنتظرة فى لهفة وترقب للخروج من حرارة المكان، مما يجعل الكثير منهم يجلسون وهم متململون ناظرون إلى راضى بعتب على التأخير فلا مانع من أن تتعالى أصواتهم عليه وهو لايرد على أحد فيكفى العرق المتصبب على وجهه ومن كل جسده ومن كثرته يحسب الناظر إليه أن قميصه وجلده واحد!.. هذا هو عمله كل يوم.. يشوى الأسماك ويمضى إلى منزله الكائن فى حارة تتفرع من شارع فقير ليجد زوجته المنتظرة قدومه بلهفة فيتناولان الغذاء سويا فهى لا تأكل إلا إذا جاء مع أن وقت قدومه ليس محددا بساعة.. وعلى المائدة البسيطة تسرد له ماجرى فى الحارة والشارع إن أمكن من أحداث فيعلق أحيانا ويصمت أحيانا حتى تنتهى من الأخبار فيحتسى الشاى ويبدل ملابسه فيخلد إلى النوم ساعة أو ساعتين على الأكثر ويخرج إلى المقهى ليتبادل مع أصحابه الحديث ولعب الطاولة الذى يعشق لعبها كانت تلك هى حياته بتفاصيلها دون جديد..
وعندما قامت الثورة وجد نفسه يسأل ويتكلم ويفكر مع الزبائن فيما يجرى محاولين أن يمر وقت انتظارهم بسرعة.. ومابين معارض للاعتصامات والوقفات الاحتجاجية وبين المؤيد بشدة لكل هذا كان هو فى المنتصف تائها حائرًا لا يعرف الحق مع من؟! فطوال عمره يسير بجانب الحائط بل فى الحائط ذاته منذ أن كان مجرد صبى صغير كان دائم التأمل تأمل النار! والتى تتصاعد أمامه وعندما تبدأ فى الخفوت يلقمها أخشاب جديدة لتشتعل ثانية وتتوهج ليتذكر الحساب والعقاب فلا صلاة لا يؤديها بخشوع ولا صوم مهما كانت الحرارة إلا وهو ملتزم به.. إحساسه الدينى فطرى عميق.. فليس له فى الاستماع إلى الشيوخ ومواعظهم ونواهيهم فماذا سيقولون؟ سيقولون الكثير الذى لا يفهم منه سوى القليل وينتهون إلى ما انتهى إليه فى أن الجزاء فى الآخرة إما الجنة أو النار!.. وهاهى نار الدنيا أمامه كل يوم ليعتبر ويتعظ ويخشى وهو يعرفها جيدا يعرف عنفوانها وقوتها وألمها فكم احترقت يداه وتألم منها بشدة صغيرا وكبيرا! وبذهابه بعد العمل لم يعد يستطيع النوم كالمعتاد فيخرج وسط دهشة زوجته التى كانت تخشى أن يكون قد انشغل عنها بأخرى، ولم تكن تدرك أن راضى أصبح من مريدى الميدان ميدان التحرير!.. إلى هناك وسط الحشود كان يجول بين الجموع وتجول معه الحيرة وتزداد فهاهو يستمع إلى شيخ اعتلى المنصة محذرًا من الفوضى إن لم تقم الانتخابات أولا.. خطوات ويقف فى جمع آخر يخطب فيهم شخص يراه فى التليفزيون وهو يلوح محذرًا من إجراء الانتخابات ولابد من الدستور أولا.. يخطو ويخطو بين الجموع فيسمع ويسمع دون أن يعرف من هو صاحب الحق.. يمضى إلى منزله، وقد أعياه الفكر وحل به التعب.. فى الصباح استيقظ وذهب إلى عمله كالمعتاد وكالمعتاد أيضًا تحدثت الزبائن فيما جرى فى الميدان أمس، لكنه لم ينبس لم يسأل لم يرد بعد أن اعتادت الزبائن على سماعه فى الأيام التى مضت فاستفزه أحدهم ليتكلم فما كان من راضى إلا وقد هوى بالكوريك الخشبى على رأسه بغتة وسط ذهول المتواجدين، وقد انتابته حالة من العصبية الشديدة وهو يردد اللى ييجى هنا يقعد وهو ساكت.. ولو حد اتكلم هاطلّع.... . ... واللى يتكلم يتكلم فى السمك وبس..
فما تستعرضوش وتعملوا فاهمين علىّ..لانى مش فاهم حاجه ياولاد ال ... عندئذ تطوع بعد المتواجدين ونقلوه بصعوبة بالغة وهو يقاوم إلى المستشفى وكان التشخيص السريع: انهيار عصبى..






مشاركة




التعليقات 10

عدد الردود 0

بواسطة:

عبدالله الدمياطى

اكثر من رائعة

عدد الردود 0

بواسطة:

عبير حجازى

متألق كعادتك

عدد الردود 0

بواسطة:

محمد طاهر

قصة جامدة

عدد الردود 0

بواسطة:

مومو

تصفيق حاد

تصفيق حاد

عدد الردود 0

بواسطة:

AHMED

قصة جميلة

قصة جميلة يا ا/محمد وبالتوفيق دائما

عدد الردود 0

بواسطة:

علاء عمرو

قصه واقعية

بصراحه قصه ممتازة ومعبره جدا جدا

عدد الردود 0

بواسطة:

مومو

الى استاذه عبير حجازى

عدد الردود 0

بواسطة:

ياسر العجمى

فى منتهى الجمال

عدد الردود 0

بواسطة:

ياسر العجمى

فى منتهى الجمال

عدد الردود 0

بواسطة:

وفاء ابوالحسن

رائعة

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة