حلمى النمنم

المصريون يحاكمون الفرعون

الأحد، 31 يوليو 2011 04:23 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
الرئيس السابق حسنى مبارك هو أول حاكم مصرى يتعرض للمحاكمة، فضلاً عن أنها سوف تكون محاكمة علنية، لا نعرف حاكما لمصر تمت محاكمته من قبل، ربما يكون السلطان طومان باى، آخر سلاطين المماليك، تعرض لموقف قريب من هذا الموقف، لا ندعى أنه حوكم من قبل السلطان سليم الأول، وكما روى ابن إياس مشهد اللقاء بين سليم الأول «المنتصر» وطومان باى «المنهزم» فإن سليم كان يريد أن يساوم «طومان باى» كى يقبل أن يحكم مصر باسمه.. لكن طومان أدرك هدف سليم ورد عليه بحدة وعنف، فأمر سليم بإعدامه، وشنقه على باب زويلة، ويذكر ابن إياس أن الناس حزنت عليه، وأنه كان شجاعاً وواثقاً من نفسه، مطمئنا إلى مصيره وهو أمام حبل المشنقة، وقال المؤرخون إن «طومان باى» هو أول سلطان لمصر يشنق.

لا قبلها ولا بعدها حوكم أو أعدم حاكم مصرى، بعد ذلك حين كان يغضب الأهالى أو المماليك على الوالى كانوا يذهبون إليه فى القلعة ويقولون له «انزل يا باشا» ومعناها أن يترك موقعه ويغادر مصر، حتى فى عهد أسرة محمد على، كان الحاكم إذا تعثر وتعذر بقاؤه فى الحكم يغادر مصر إلى المنفى فى أوروبا، ذهب الخديو إسماعيل إلى إيطاليا وأقام حفيده الخديو عباس حلمى فى جنيف بعد أن خلع عن العرش، حتى الملك فاروق طلب إليه الضباط الأحرار مغادرة البلاد قبل مساء يوم 26 يوليو 1952، ورحب وتوجه إلى إيطاليا باختياره، الحالة الوحيدة التى لم يكن ممكنا خلع الوالى فيها كانت مع الوالى عباس وجرى اغتياله وهو نائم فى فراشة، وقيل إن ابنة محمد على حرضت أحد المقربين منه على فعلها، وقدمت جسدها له ليلة مكافأة على ذلك، وكانت تريد أن تنتقم من عباس، لأنه اعترض على تدخلها فى السلطة وعلى سلوكها الأخلاقى «الشائن».

الرئيس السابق مبارك حالة خاصة جداً بين حكام مصر، لن نقارنه بالسلطان طومان باى الذى منحه المصريون لقب « العادل»، وكان طومان يدافع عن استقلال مصر وأن تبقى دولة مستقلة ذات سيادة أمام غزو سليم الأول، الذى أراد أن تكون مصر مجرد ولاية تابعة له، وأطلق المصريون على طومان باى ألقاب تمجيد عديدة، بينما حسنى مبارك خلعه شعبه عن الحكم، لم يخلعه جيش احتلال أو غزو ولا أسقطه فرمان عثمانى، ولا إرادة أوروبية، بل إرادة الشعب المصرى.

حدث جلل أن يحاكم المصريون الفرعون، لقد اتهم المصريون فى شرفهم السياسى، حيث وصفهم البعض، من جهلة المؤرخين، بأنهم يؤلهون حاكمهم، وأنهم صناع «الفرعون»، لكنهم هذه المرة أسقطوا الفرعون، ولم ينفوه خارج البلاد ولم يقتلوه أو يسحلوه كما حدث فى بعض بلدان مجاورة، لكنهم يقدمونه للمحاكمة، وهى محاكمة عادية، وأمام القاضى الطبيعى، ومحاميه ينشط للدفاع عنه، سياسياً وإعلامياً، على الأقل، حتى الآن، وسوف يقف متهماً أمام هيئة المحاكمة، ويمثل فى قفص الاتهام وينادى القاضى عليه بكنيته الجديدة «المتهم»، ويجب أن يرد المتهم على سيادة المستشار قائلاً «حاضر يا أفندم»، ويقدم المحامى نفسه «حاضر مع المتهم يا فندم» أو يا ريس وربما يا سيادة الرئيس، كما اعتاد السادة المحامون فى التعامل مع رئيس الجلسة أو الدائرة التى تحاكم المتهم.

مشهد فريد وتاريخى بامتياز، يجب أن يعلو خصوم مبارك ومحبوه على المشاعر الخاصة لحظة المحاكمة، وأن نتابع تفاصيل الجلسات بدقة، ملاحظات السادة القضاة، وبيان الادعاء العام ودفاع محامى المتهم، فضلاً عن حضور الجلسة من طرف المتهم وطرف المجنى عليهم، أسر شهداء الثورة.. أعرف أن المشاعر سوف تحتدم وأن هناك صيحات وزفرات غضب وألم من أسر الشهداء، ومن الذين عاشوا القهر والديكتاتورية، لكن علينا أن نترقب وأقول نستمتع بمشهد فريد فى التاريخ، هو محاكمة الفرعون، ليس من الله فى العالم الآخر ولا من آمون فى الديانة المصرية القديمة، بل من الشعب المصرى، من الفلاحين والعمال ومن الموظفين وأساتذة الجامعة، من الأحرار عموماً، وأتمنى لو أن السيد القاضى سأل المتهم فيما هو منسوب إليه، واستمعنا لردوده وتفسيراته.
مشهد استثنائى - بحق - فى التاريخ!





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة