أثيرت فى مصر مخاوف عديدة مؤخرًا حول صعود تيارات سياسية ذات توجهات إسلامية إلى سدة الحكم، جاءت هذه المخاوف من عدد كبير من المثقفين فضلا عن الأقباط، وفى حقيقة الأمر إن القراءة الأولى لمستقبل المشهد السياسى فى مصر تبدو للمدقق والمحلل غير دقيقة، ذلك أن صراعًا تشهده الفضائيات لكسب الرأى العام المصرى من هذا التيار أو ذاك، انغمس فيه الجميع عدا الإخوان المسلمين والسلفيين الذين انشغلوا بالعمل على الأرض فى القرى والنجوع، كما لم تدرك التيارات السياسية الافتراضية التى أججت ثورة 25 يناير مثل 6 إبريل وكلنا خالد سعيد وشباب الثورة وغيرها، أن هناك بونا شاسعا بين العالم الافتراضى والعالم الواقعى، ففى عالم الواقع هناك ملايين لا يعرفون حتى ما هو العالم الافتراضى، فقد خرجوا فى مظاهرات إسقاط نظام مبارك، لأن الحالة فى مصر قد ساءت إلى درجة غير مسبوقة بالنسبة لهم.
هذا المشهد السياسى يبدو فيه أطراف من اليسار المصرى تجمع أوراقها، فأقوى تيارات اليسار إما ظلت تعمل تحت غطاء نخبوى كمركز الدراسات العربية والأفريقية الذى يديره حلمى شعراوى أو بصورة شعوبية فى حى مصر القديمة حيث أسس أحمد عبد الله رزه مركز الجيل، لكن يبقى اليسار فى حاجة إلى ثوب جديد، هذا ما أدركه المهندس أحمد بهاء الدين شعبان والدكتور إيمان يحيى، فبدأ اليسار يتشكل من جديد لكن لن يكون له تأثير فى المشهد السياسى المصرى قبل ثلاث سنوات على الأقل.
فى حين يغرق التيار الناصرى فى خلافاته الظاهرة والباطنة للعيان، فاقدا كاريزما القيادة، وحتى صف الصفوف، فحتى الانشقاقات القديمة لم يحاول أقطاب الحزب لمها، فعلى طرف يقف جيل حمدين صباحى خلفه فى حزب الكرامة الذى يبدو الملمح العام مع احتمالات ترشح حمدين صباحى للرئاسة أنه سيصبح أقوى التيارات الناصرية فى مصر، مع تراجع الحزب الناصرى.
هنا سيصبح حزب الوفد محل تساؤلات كثيرة، فقيادات الحزب دخلت مؤخرا فى خلاقات مع عائلة سراج الدين وغيرها من العائلات الداعمة التقليدية للحزب وصلت إلى حد إقامة دعوى قضائية، فضلا عن عدم تطوير أداء الحزب بصورة تتيح له الحركة فى الشارع المصرى وفى قواعده التى اشتهرت بمساندته، فحتى فى دائرة فوة ومطوبس يصر الحزب على تجاهلها وفصل أبرز أعضائه فى الدائرة عضو مجلس الشعب السابق محمد عبد العليم، فهذه الدائرة هى موطن عدد كبير من قيادات الحزب منهم سعد زغلول و فتح الله بركات والدكتور محمد بلال.
إن أبرز سمات حزب الوفد هو كونه المعبر عن الشخصية المصرية التاريخية، التى تتسم فى الوسطية فى كل شىء، وقد كان مرشحًا إلى أن يحل محل الحزب الوطني، لكن أداء الحزب وتصاعد خلافاته الداخلية جعلته يقف عند حد معين سواء فى نمو أعضاؤه أو فى دوره السياسي، هذا ما يرشح بقوة إمكانية صعود حزب الوسط المنشق عن جماعة الأخوان المسلمين ليحل محل حزب الوفد على الساحة فى حالة قدرته على إعادة رسم الشخصية المصرية التاريخية فى أدائه، فهو بقياديته أبو العلا ماضى وعصام سلطان وغيرهما، إنما يذهب إلى خطاب أكثر قبولا، فضلاً عن تخليه عن الخطاب الدعوى للدين الإسلامى الذى ترفض جماعة الإخوان المسلمين التخلى عنه، هذا ما تحاول بعض قيادات جماعة الإخوان الذهاب إليه على غرار محاولات القيادى الإخوانى عبد المنعم أبو الفتوح الذى يحظى بقبول فى أوساط شباب الأخوان المسلمين، وفى الوقت نفسه بخلاف مع مكتب الإرشاد الذى يسيطر عليه شيوخ الجماعة، ليبرز من مكتب الإرشاد المهندس خيرت الشاطر أحد أبرز المرشحين للانتخابات الرئاسية خلال السنوات القادمة، لكن هناك عقبة ستواجه الشاطر هى إدارته لشركات الإخوان، مما يشكل خلطا بين رأس المال والسلطة على غرار ظاهرة رجال الأعمال فى الحزب الوطنى الذى كان يحكم مصر. فضلا عما ستواجه الجماعة من خلط بين العمل الدعوى والسياسى، هذا الخلط الذى مازال غير واضح كيفية فصله فى خطاب المرشد العام للجماعة محمد بديع وكذلك فى خطاب عصام العريان، بينما كانت له رؤية واضحة لدى الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح، لكن سيقف تيار المثقفين المصريين ضد وجود جماعة دينية تخدم على حزب سياسي، وهى معادلة صعبة قصفت أداء قوى سياسية تجاه الإخوان، إضافة إلى عدم رغبة الإخوان فى حل الجماعة مع اعتراف المجتمع بحزب سياسى لهم، ومن المتوقع أن تتصاعد دعوات فى خلال الأيام القادمة لكى تقوم الجماعة بالكشف عن حجم تبرعات افرداها وشركاتها بصورة واضحة، فضلاً عن بوادر انشقاقات فى الجماعة بين أجيالها وتياراتها.
فى لحظة تاريخية يأخذ السلفيون زمام المبادرة من الإخوان، ذلك حدث فى أعقاب 28 كانون الثاني- يناير الماضي، فخطباء الجمعة من السلفيين كانوا يرفضون الخروج على النظام، ثم ظهر لهم دور فى اللجان الشعبية فى عدد من اللجان والقرى، ثم يبدأ شباب السلفيين وبعض شيوخهم الاتجاه نحو تشكيل حزب سياسى على عكس ما حرمه العديد من شيوخ السلفيين بحرمة الأحزاب السياسية القادمة كفكرة من الغرب، فلعب الشيخ محمد حسان دورا فى الحياة فى مصر خاصة فى الأزمة الطائفية بقرية صول مؤخرًا، ثم ظهر دور القيادى السلفى ياسر البرهامى كقوة كبيرة فى الإسكندرية تفوق فى تأثيرها جماعة الإخوان المسلمين فى الإسكندرية، ومناطق عديدة فى مصر، واحتفاظ السلفيين بقيادات مؤثرة فى عدد من المحافظات كالمهندس طارق البيطار فى محافظة كفر الشيخ، مما أعطى السلفيين دعمًا للإخوان المسلمين فى انتخابات مجلس الشعب فى بعض الدورات الانتخابية، وكان أبرزها فى الثمانينات لكلن الآن الوضع مختلف فحجم التيار السلفى أقوى من تيارات سياسية كثيرة خاصة انتشاره فى محافظات الوجه البحرى وبعض محافظات الوجه القبلى بمصر، ففى حالة قرارهم خوض غمار السياسة سيمثلون معادلة مهمة فى الحياة السياسية، لابد أن أول ما سيواجههم هو البرنامج الانتخابى الذى من المتوقع أن يثير تساؤلات عديدة؟
وسط التيارات الدينية تبرز الجماعة الإسلامية، لكن ليس من المتوقع أن تحقق نجاحًا كبيرًا فى ظل خطاب معقول من ناجح إبراهيم وكرم زهدى، إذا يبقى بعض أعضاء الجماعة يحملون للمصريين خطابًا متعصبًا يثير قلق البعض، وستأخذ الجماعة وقتا لكى يكون لها تأثير إذا أنها ظلت لسنوات تأن تحت ضغط الضربات الأمنية القاسية، لذا فإن الجماعة ستظل فى دائرة اهتمام الإعلام بوصفها المقاوم الرئيسى لنظام السادات ثم لنظام مبارك.
يقف بين كل هذه القوى حائرًا الحزب الوطنى الذى كان يحكم مصر، ليس حزبا بالمعنى التقليدى للأحزاب، فلا يمكن وصفه إلا بأنه كان الجناح أو الأداة السياسية للحكم فى مصر، لكن بعض قياداته ورجال الأعمال ستدعم بقاءه سواء تحت اسمه القديم أو بتغيير جلده أو بالإبقاء عليه مع حزب آخر، هنا تبرز لعبة السياسة مع قيادات باقية بالحزب تصرف إلى حد كبير طبيعة التحالفات فى الريف المصرى، وسيكون الحزب فى اختبار حقيقى فى انتخابات مجلس النواب القادمة.
من سيقود مصر؟، لن يستطع أى تيار سياسى الحصول على نسبة حاسمة لتشكيل حكومة مصرية، إذ لازالت مصر والى خمس سنوات قادمة فى مرحلة انتقالية، وستكون الانتخابات النيابية بعد القادمة هى التى ستظهر مدى تبلور مختلف القوى السياسية فى الواقع المصرى، فضلاً عن تمرس الأجيال الشابة المصرية للعمل السياسي، وهو عامل يكاد يكون حاسمًا فى مستقبل الحياة السياسية، غير أنه إذا استطاع أى تيار سياسى الاقتراب من الشارع وفق دراسة انثروبولوجية لطبيعة ومتطلبات الشخصية المصرية، سيكون هو الأكثر رسوخًا واستمرارية، فالشخصية المصرية على سبيل المثال وسطية تكره التعصب الدينى وتمقت اللادينيين، هذه الشخصية جسدها فى فترة من الفترات جمال عبد الناصر، فهو بضربه جماعة الإخوان المسلمين فى صراعهم السياسى على السلطة، أطلق إذاعة القرآن الكريم، ودفع قراء القرآن الكريم كالحصرى وعبد الباسط عبد الصمد والبنا وغيرهم للواجهة، بل ومثل فى تصرفاته الطبقة الوسطى المصرية، فدفع بمطربين مثل عبد الحليم حافظ وأم كلثوم ليكونوا نجوم الحياة العامة، وبين هذا وذاك وظف جمال عبد الناصر العديد من العناصر والأدوات لتعبر عن شخصية مصر بصورة متوافقة معها، فحظى بشعبية جارفة، على الرغم من أخطائه وتسلطه السياسى.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
hazem
المارد السلفى قادم لا محاله
عدد الردود 0
بواسطة:
ماهر رزيق-USA
هناك مستقبل لمن يعلم أن "لا أحد قط يستحم في نفس النهر مرتين"
عدد الردود 0
بواسطة:
طارق فؤاد
الرؤية