فاجأ المجلس الأعلى للقوات المسلحة الرأى العام خلال الأسبوع الماضى بحملة اتهامات لحركات سياسية احتجاجية مصرية لعبت - ولا تزال - دورًا مهمّا فى «ثورة» 25 يناير، وامتدت الحملة إلى منظمات المجتمع المدنى.
كانت البداية اتهام اللواء أركان حرب «حسن الروينى» عضو المجلس لحركة 6 أبريل بأنها تتلقى تمويلاً من الخارج لتقويض الدولة.
> وفى مداخلة أخرى مع برنامج «صباح دريم» على فضائية دريم، هاجم سيادة اللواء حركة كفاية واتهمها بأنها حركة غير مصرية!
> وزاد الأمر خطورة بإصدار المجلس لرسالته رقم 69 على صفحته بالفيس بوك متضمنة اتهامًا صريحًا لحركة 6 أبريل بالسعى للوقيعة بين الشعب والجيش، ثم اتهامها بالسعى لإثارة الفتنة فى رسالته رقم 70!
> وفى يوم الاثنين الماضى قال اللواء محمد العصار مساعد وزير الدفاع وعضو المجلس الأعلى للقوات المسلحة، خلال وجوده فى واشنطن على رأس وفد عسكرى مصرى، إن السفيرة الجديدة للولايات المتحددة لدى مصر آن باترسون قد أبلغته بأن الولايات المتحدة قدمت 105 ملايين دولار لمنظمات غير حكومية.
> وكانت هذه التصريحات من المجلس الأعلى للقوات المسلحة ومن اثنين من أعضائه بمثابة إشارة البداية لحملة ضد «الأحزاب» ومنظمات المجتمع المدنى، و«التى تتلقى تمويلاً أجنبيّا» شارك فيها كتّاب السلطة - أى سلطة - المستعدون دائمًا للعزف على أى نغمة يطلقها الحكام.
> ذكرتنى هذه الحملة بحملة مماثلة فى نهاية تسعينيات القرن الماضى عندما ضاق الحكم بالدور المهم الذى لعبته منظمات حقوق الإنسان المصرية فى نشر الوعى بمبادئ حقوق الإنسان وإصدار التقارير الموثقة حول انتهاك حقوق الإنسان فى مصر وشيوع التعذيب فى السجون والمعتقلات وأقسام الشرطة.
> خلال هذه الفترة دعيت من جانب صديق كان يعِد ويقدم برنامجًا حواريّا محترمًا فى التليفزيون المصرى، للمشاركة فى حلقة حول دور التمويل الأجنبى لمنظمات المجتمع المدنى فى مصر. وبالفعل شاركت مع الزميل مصطفى بكرى فى هذه الحلقة التى تم تسجيلها قبل موعد إذاعتها بـ 72 ساعة، وأبلغنى معد البرنامج بأن الحلقة جاهزة لبثها بعد أن عرضت كاملة على وزير الإعلام «صفوت الشريف» ووافق عليها، وأذيعت الحلقة فى القناة الأولى متضمنة تقريرًا عن الموضوع تحدث فيه عدد من السياسيين ومن مراكز البحوث وأساتذة الجامعات، ثم النقاش بين مصطفى بكرى وبينى. ويبدو أن التقارير التى رفعت إلى وزير الإعلام أشارت إلى أن الحلقة التى قصد بها تشويه المنظمات التى تتلقى تمويلاً خارجيّا حققت نتيجة عكسية. وبسرعة تصرفت الأجهزة المختصة، فأذيع البرنامج فى اليوم التالى على الفضائية المصرية بعد حذف أجزاء من التقرير تناول الدور الإيجابى للتمويل الخارجى لمراكز البحوث فى الجامعات المصرية - والتى لا توجد لها أى ميزانيات ضمن ميزانيات الجامعات - وكان المتحدث الأبرز والأقوى فى هذا الجانب هو د. مصطفى كامل السيد، الأستاذ بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، وإن حذفت مداخلته كاملة، واستبدلت بمداخلة أخرى سجلت فى اليوم التالى لإذاعة الحلقة فى القناة الأولى مع أحد قادة الأحزاب السياسية تضمنت هجومًا حادّا على منظمات المجتمع المدنى وعلى التمويل الخارجى، لتذاع الحلقة المعدلة فى الفضائية المصرية.
> أعود إلى الحملة الجديدة والتى استهدفت الأحزاب وحركة 6 أبريل وحركة كفاية والكتّاب الذين أقحموا الأحزاب فى هذه الحملة، رغم أن المجلس العسكرى والمتحدثين باسمه لم يتعرضوا لها، وقعوا فى خطأ فادح. فقبول أى حزب لتمويل خارجى جريمة يعاقب عليها القانون، فالمادة 11 من القانون رقم 40 لسنة 1977 الخاص بنظام الأحزاب السياسية، والتى تتناول موارد الحزب، تنص فى فقرتها الثانية على أنه: «..لا يجوز للحزب قبول أى تبرع أو ميزة أو منفعة من أجنبى، أو من جهة أجنبية، أو دولية، أو شخص اعتبارى، ولو كان متمتعًا بالجنسية المصرية»، ويلتزم الحزب طبقًا لهذه المادة بإخطار الجهاز المركزى للمحاسبات بما تلقاه من تبرعات وبالبيانات الخاصة بالمتبرعين، وتعاقب المادة 25 من القانون نفسه كل مسؤول فى حزب سياسى أو أى من أعضائه أو من العاملين به قبل - أو تسلم - مباشرة، أو بالوساطة، مالاً من أجنبى، أو من أى جهة أجنبية، يعاقب بالسجن ومصادرة كل مال يكون متحصلاً من الجريمة.
> ويختلف الأمر بالنسبة لمنظمات المجتمع المدنى. فالقانون لا يجرم حصولها على تمويل أجنبى، ولكنه يضع قيودًا على تلقى مثل هذا التمويل.
> وبالطبع فالأساس فى تمويل المؤسسات والجمعيات الأهلية ومنظمات المجتمع المدنى الحديثة، هو اشتراكات وتبرعات الأعضاء والإعانات الحكومية، وتبرعات رجال الأعمال. وللأسف فالإعانات الحكومية ضئيلة للغاية، وتحرم منها منظمات المجتمع المدنى التى تنشط فى مجال حقوق الإنسان والمرأة؛ نتيجة للدور الذى تلعبه فى كشف انتهاك السلطات لهذه الحقوق.. ويحجم رجال الأعمال عن التبرع لها حرصًا على علاقاتهم بالحكم وحماية لمصالحهم. ومن هنا فهناك منظمات حقوقية وخاصة بالمرأة فى مصر تعتمد تمامًا على التمويل الأجنبى من المنظمات الدولية المانحة، مثل منظمات الأمم المتحدة مثل منظمة «يونيفم» التى تمول المنظمات التى تنشط فى مجال مواجهة التمييز ضد النساء والدفاع عن حقوقهن، وكذلك منظمات مثل أوكسيفام ومزوريلث إبيرت.. إلخ.
> وتلزم هذه المنظمات المصرية المحترمة نفسها بقواعد صارمة تحدد قبولها للتمويل الأجنبى من عدمه فى مقدمتها:
- رفض أى تمويل مشروط من أى جهة كانت، سواء بفرض أولويات محددة على الجهة المتلقية، أو بوضع قيود على حريتها فى تنفيذ مهامها أو إلزامها بأنشطة ومواقف محددة.
- رفض أى تمويل من حكومات أجنبية أو منظمات مرتبطة بحكومات أو مؤسسات أجنبية استعمارية أو ذات توجهات معادية للمصالح الوطنية والقومية، كتلك التى تروج للتطبيع وتمول مشاريعه.
- الشفافية الكاملة والإعلان عن مصادر التمويل وميزانيات هذه المنظمات وكيفية الإنفاق وأوجه هذا الإنفاق. وأن يتم اعتماد هذه الميزانيات ومراجعتها من مكاتب محاسبة معترف بها. وبالمناسبة فالجهات المانحة تضع شرطًا وحيدًا وهو ضرورة خضوع الجمعيات التى تتلقى منها تمويلًا لنظام محاسبى ومراجعة دقيقة. وهناك إشراف من وزارة التضامن الاجتماعى على منظمات المجتمع المدنى يشمل بالضرورة مصادر تمويلها، وفى المقدمة بالضرورة التمويل الخارجى.
> وفى ضوء ذلك فالاتهام المرسل من جانب المجلس العسكرى أو سيادة اللواء الروينى أو اللواء العصار ليس له مكان، وهو خطأ يجب الاعتذار عنه. أما إذا كان لديهم ما يثبت هذه الاتهامات، فواجبهم بحكم توليهم سلطة إدارة البلاد أن يبلغوا جهات التحقيق ضد المخالفين للقانون، وإلا فإنهم يرتكبون جريمة التستر عليهم، ويصبحون شركاء لهم فى الجريمة.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
Egy Man
MUBARAK TV
عدد الردود 0
بواسطة:
Egy Man
MUBARAK TV
عدد الردود 0
بواسطة:
مصري عارف
أحسنت ياأستاذ.. لكن
عدد الردود 0
بواسطة:
عصام الجزيرة
حسرة على القيمة والقامة ...