معصوم مرزوق

الحرب والدبلوماسية

السبت، 30 يوليو 2011 10:01 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
الحرب والدبلوماسية صنوان لا يفترقان، فكل حرب يسبقها ويتخللها ويتلوها دبلوماسية، وقد يحقق الجنود نتائج باهرة فى ميادين القتال، وتخذلهم الدبلوماسية فلا يرقى مستواها لمستوى الأداء القتالى، وقد تنتصر الدبلوماسية وحدها دون إطلاق رصاصة واحدة، إلا أن الحرب وحدها لا تحقق أهدافها دون دبلوماسية مناسبة، ومثل العمليات الحربية فإن العمل الدبلوماسى يشتمل على دراسة أرض العمليات والعدو ومقارنة القوات والأسلحة (أو مقارنة نقاط القوة والضعف فى إمكانيات القوة الشاملة)، وبحث مجال المجهود الرئيسى، وتقدير الموقف وإعداد الخطط والبدائل المختلفة.. إلخ.
وتاريخ البشرية زاخر بالمواقف التى اختلط فيها العمل الدبلوماسى بالحرب، ولكننى أريد أن أختار هذه المرة لقطة مكثفة للحرب العالمية الأولى فى منطقة جغرافية محددة وهى الشرق الأوسط، ربما كنقطة انطلاق لموضوع الحرب والدبلوماسية فى القرن العشرين، وخاصة فى هذه المنطقة.
كانت الحرب العالمية الأولى بداية لمشاكل كثيرة فى منطقة الشرق الأوسط، ورغم المؤلفات العديدة التى تناولت هذه الفترة، فإن مناطق شاسعة منها لا تزال غارقة فى الغموض والظلام. لقد دخل العرب هذه الحرب إلى جانب الحلفاء، على أمل أن يتحرروا من الهيمنة التركية، وقدمت الثورة العربية مساعدات ذات قيمة كبيرة ساهمت بشكل فعال فى النصر النهائى للحلفاء، ولا شك أن العرب فى اختيارهم جانب الحلفاء قد أثبتوا مقدرتهم على قراءة الواقع السياسى بشكل جيد، فقد كانوا بلا شك فى الجانب المنتصر، إلا أن الاستفادة من التحرك السياسى والعسكرى العربى لم تكن على مستوى القراءة الأولى نفسه، لقد دخل العرب الحرب إلى جانب الحلفاء، وكسب الحلفاء الحرب، وعندما جاء وقت تقسيم غنائم النصر، فوجئ العرب بأنهم قسم من هذه الغنائم!
وهكذا اكتشف العرب أن أراضى سوريا والعراق مثلًا لم تكن أراضى محررة من الاحتلال التركى، وإنما أراضٍ محتلة بواسطة قوات الغرب، تدار من خلال إدارة عسكرية، وفى الوقت نفسه كان وعد بلفور قد تم التصديق عليه فى لندن، وتم تكليف الإدارة العسكرية المذكورة بتنفيذه على الفور، وانفجرت فى فلسطين المقاومة الشعبية، إلا أن القوات الإنجليزية تعاملت معها بقسوة، حتى قبل أن يتم تقنين الوضع الإنجليزى بواسطة عصبة الأمم فيما بعد، عندما أعلنت بريطانيا: «قبولها قرار عصبة الأمم بتنفيذ وعد بلفور فى فلسطين».
ثم التقى وزيرا خارجية بريطانيا وفرنسا لتخطيط توزيع الغنائم فيما بينهما فى الشرق الأوسط، فيما عرف تاريخيّا باتفاقية سايكس/بيكو، كان العمل الدبلوماسى يجرى على قدم وساق لرسم خريطة الشرق الأوسط والحيلولة دون ظهور كتلة سياسية متماسكة فى هذه المنطقة، بينما قادة الفكر والسياسة العرب يتفرجون على التحولات الدولية وقد توقفت عقولهم عن متابعة الأحداث والاستعداد لتطوراتها، وكأنما توقف الجهد الدبلوماسى على مجرد اتخاذ قرار دخول الحرب فى صف الحلفاء، وانتهى الجهد العسكرى بانتهاء الحرب لصالح الحلفاء، وربما ظن القادة آنذاك أن ثمار الحرب سوف تأتيهم على طبق من الفضة، أو كانت ثقتهم أكبر مما ينبغى فى أخلاقيات السياسة الدولية، وتصريحات قادة الغرب حول السلام الذى حل أخيرًا على الدنيا ونهاية الحروب وحق تقرير المصير.. إلخ.
وهكذا تقدمت الحضارة - كما يقولون - كى تمر بعصاها السحرية على الشرق الأوسط، وطوت البشرية صفحة الحرب العالمية الأولى التى كان نصيب العرب فيها التقسيم والاستعمار وزرع الوجود الصهيونى، وتجربة سلاح الجو كوسيلة للسيطرة على الشعوب، تحرر العرب من مستعمر واحد ضعيف كانوا على وشك التخلص منه نهائيّا، بل إن تركيا قبل الحرب العالمية الأولى كانت قد فقدت السيطرة الفعلية فى منطقة الشرق الأوسط، ووقع العرب فى براثن الاستعمار الغربى لتبدأ مرحلة جديدة من الكفاح، وقد زادت التحديات أمامهم، بينما ركب الحضارة يسبقهم بمسافات شاسعة. وهكذا قادهم الخطأ فى الدبلوماسية إلى خطأ فى الحرب، وفى الحالتين لم تكن حساباتهم على مستوى إمكانياتهم، ولم تكن توقعاتهم على مستوى تخطيطهم، لقد دخلوا الحرب مع الحلفاء بدون خطة للسلام، فخسروا الاثنين: الحرب والسلام، ومعهما الاستقلال والكرامة.








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
التعليقات 5

عدد الردود 0

بواسطة:

صلاح العربي

السادات

عدد الردود 0

بواسطة:

زائر

في انتظار المزيد

عدد الردود 0

بواسطة:

مواطن مصرى

مقال رائع

عدد الردود 0

بواسطة:

محمد عبد الله

الجميع على خطأ

عدد الردود 0

بواسطة:

Abu Muhammmad

مقال جيد "هل نستفيد من مثل هذه العبر؟!"

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة