يصل قطار جُمع المليونيات إلى جمعة مختلفة وفريدة عن ذى قبل فلأول.. مرة تنقسم القوى الثورية إلى قوتين رئيسيتين.
تضم الأولى الأحزاب والحركات السياسية الثورية الداعية والمحركة لمظاهرات يوم 25 يناير والتى تمثل دعاة المدنية والليبرالية والعلمانية واليسارية والشيوعية.
يقابلها على الجانب الآخر الإسلاميين بكل تشكيلاتهم وتصنيفاتهم من إخوان وسلفيين وجماعات وجهاد وغيرها التى تمثل دعاة الدولة الدينية أو المدنية بمرجعية دينية.
يلتقى الفريقان فى رحاب وضيافة ميدان التحرير السعيد، وفى رعاية وحماية قواتنا المسلحة الباسلة، وانسحاب وانزواء معتاد من جهاز الأمن.
اتفق كلا المعسكرين ظاهريا على بعض المطالب مثل: محاكمة رموز النظام الساقط، واختلف حول أولوية الدستور أولا أم الانتخابات. ولكن السبب الباطن والجوهرى غير المعلن يكمن فى محاولة كل طرف استعراض عضلاته أمام الطرف الآخر لبيان مدى قوته، ومعرفة كل منهما مقدار ثقله السياسى وكأن المحك والمعيار هو مدى كثرة الحشد الذى تستطيع كل جماعة جمعه فى الميدان.
ومن مفارقات هذه الجمعة أيضا أن كل طرف فى امتحان مختلف عن الآخر فدعاة مدنية الدولة (الفريق الأول) يمتحنون فى مادة قوة التأثير على صناعة القرار السياسى، ويمتحن الإسلاميين (الفريق الثانى) فى مادة التخلى عن العنف فى معالجة الاختلافات الأيديولوجية والفكرية مع الآخر.
فإذا استجابت غرفة صناعة القرار لمطالب (الفريق الأول) يكون ذلك مؤشراً جيداً على وجود الثورة داخل جعبة صناعها وإمكانية الارتفاع بسقف الطلبات لملامسة عمق الديمقراطية، وإذا مرت الجمعة بسلام دون حدوث اشتباكات دموية– دعا إليها بعض المتشددين الإسلاميين– يكون ذلك رداً عملياً على من يشكك فى تحول مسار الفكر الإسلامى بعيدا عن العنف والتطرف وفى اتجاه الاعتدال والوسطية ويكون أيضا طمأنة مطلوبة سياسيا للخائفين من الإسلاميين قد تؤثر على صندوق الانتخاب فيما بعد.
فهل ينجح الفريقان فى الامتحان أم يرسب أحدهما أم الاثنان معا؟
أنها مناظرة– وليست مصادمة- سياسية انتخابية مبكرة تدخلت الصدفة بنسبة كبيرة فى صنعها، تسبقها حرب كلامية إعلامية لحشد المزيد والمزيد من الأنصار لتحقيق المطالب المعلنة والخفية فى آن واحد، وحرب إعلامية نفسية لإحداث التأثير السلبى على المعسكر الآخر.
وقد ينتج عن هذه المناظرة استراتيجيات جديدة فى التعاطى مع المرحلة المقبلة طبقا لحجم التأثير الناتج عنها جماهيريا.
آه كم كنت أتمنى لو أن هاتين القوتين تمثلان حزبين سياسيين يتنافسان على كرسى الحكم يخرج من رحم كل منهما مرشح واحد يمثل ابنا شرعيا بارا بالحزب وتوجهاته وبرامجه. فتكون مناظرة تشبه إلى حد ما ما يحدث فى الدول المتقدمة قبيل الانتخابات الرئاسية فهذا المشهد بمعطياته السابقة يذكرنا بما يحدث فى معسكرى الحزب الجمهورى والحزب الديمقراطى الأمريكيين.
فهل نبلغ ما نصبو إليه من توحد نصفى يعطى للحياة طعما ديمقراطيا شهيا كما نشتهى ونتمنى، أم تختتم السهرة بكرسى فى الكلوب- على غرار الأفلام العربية القديمة– يحول الفرح إلى مأتم؟
أخيرا أتوجه بنداء إلى مرشحى الرئاسة للنزول والاقتراب من الشعب ولنتعرف نحن أيضا عليهم ونقارن بينهم ويحققون هم الاستفادة الدعائية من هذا الحشد الكبير وعدم الاكتفاء– كعادتهم– بالتصريحات العنترية والمقابلات الفضائية التى لم تحقق الاقتراب المطلوب من الشارع.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
مارسيل
الشعب البسيط