فى المجال السياسى، يتم التعامل مع العولمة من خلال إصلاح الأوضاع الداخلية، فالأوضاع الداخلية فى العديد من دول العالم الثالث – ومنها الدول العربية – لا تؤهلها للتعامل بفاعلية مع متطلبات عصر العولمة وتحدياته، مما يحتم ضرورة الشروع فى عملية الإصلاح الداخلى، الذى يكافح ظواهر الفساد السياسى والإدارى، ويعتبر هذا هو المدخل الحقيقى لبناء دولة المؤسسات وتحقيق سيادة القانون، ويرشد عملية صنع السياسات والقرارات.
إن أغلب دول العالم الثالث – وعلى رأسها الدول العربية – لا تنقصها هياكل التكامل ولا التصورات والأفكار والبرامج، ولكن الذى ينقصها هو إرادة التكامل، بما تتضمنه من معانى الحرص والعمل المشترك على تذليل المشكلات والعقبات التى تعوق التكامل. وفى المجال الاقتصادى، إن لم تقم مجموعة عربية متضامنة، بتنسيق خططها التنموية وسياستها الاقتصادية، فإن الوطن العربى لن يستطيع مواجهة المنافسة وميول الهيمنة السائدة على الصعيد الدولى.
إن المستقبل الذى ينتظر الدول العربية والإسلامية سواء أكان مستقبلاً مشرقًا أم مظلمًا إنما يعتمد فى المقام الأول على مدى فاعلية الاستراتيجية الاقتصادية التى تتبناها هذه الدول، ولذلك يتعين على العرب التركيز على ما يلى أولا: تحقيق تنمية عربية نشطة ومتوازنة ومستقلة لا تهدف إلى التقليل من مخاطر تحديات العولمة فحسب، بل تعمل على رفع مستوى غالبية الناس أيضًا.
ثانيا: إنشاء سوق عربية مشتركة: فقضية إقامة هذه السوق تستند إلى تعميق مفهوم الهوية العربية والانتماء القومى، وضرورة دعم الأمن القومى العربى، إلى جانب المصلحة الاقتصادية المشتركة. فهذه السوق يجب أن تقام تدريجيًا بين الأقطار العربية، أو بين بعضها كمرحلة انتقالية، لأنها سوف تعمل على توحيد هذه الأقطار، وتعزز الأمن الاقتصادى العربى، ومن ثم تعزز الأمن القومى العربى.
وعلى المستوى الثقافى، يجب أن نعرف كيف نستطيع فرض أنفسنا وإيصال صوتنا إلى العالم، بحيث نضمن لأنفسنا مكانة فى هذه المسيرة الكونية.
إن حاجتنا إلى تحديد ثقافتنا، وإغناء هويتنا، والدفاع عن خصوصيتنا، ومقاومة الغزو الكاسح الذى يمارسه المالكون للعلم والتكنولوجيا، لا تقل عن حاجتنا إلى اكتساب الأسس والأدوات التى لابد منها، لممارسة التحديث ودخول عصر العلم والتكنولوجيا. نحن فى حاجة إلى التحديث، أى إلى الانخراط فى عصر العلم والتكنولوجيا كفاعلين مساهمين، ولكننا فى الوقت نفسه فى حاجة إلى مقاومة الاختراق وحماية هويتنا وخصوصيتنا الثقافية من الانحلال والتلاشى تحت تأثير موجات الغزو الذى يمارس علينا وعلى العالم أجمع بوسائل العلم والتكنولوجيا، وليست هاتان الحاجتان الضروريتان متعارضتين بل متكاملتين.
إن نجاح أى بلد من البلدان النامية، فى الحفاظ على الهوية والدفاع عن الخصوصية، مشروط بمدى عمق عملية الانخراط الواعى، فى عصر العلم والتكنولوجيا، والوسيلة فى كل ذلك هى اعتماد الإمكانيات التى توفرها العولمة نفسها، أعنى الجوانب الإيجابية منها.
لست مجبرًا أن أكون أمريكيًا أو فرنسيًا، أو غير ذلك، بل يجب أن أحافظ على هويتى وثقافتى وعاداتى وأخلاقى، مع الاستفادة بالطفرة العلمية الناتجة عن العولمة، ويمكن تحقيق ذلك من خلال: صياغة إستراتيجية عربية للتعامل مع العلم والتكنولوجيا الحديثة، وإعادة النظر فى المناهج الدراسية والجامعية على نحو يهدف إلى تأصيل الملامح الحضارية فى الشخصية العربية لمواجهة تحولات عالم اليوم.
والتنسيق والتعاون بصورة متكاملة فى وزارات التربية والتعليم العالى والثقافة والإعلام، والأوقاف والشؤون الإسلامية، والعدل، للمحافظة على الهوية الإسلامية من أى مؤثرات سلبية.
وضرورة خلق إعلام ناضج، يبنى الإنسان العربى الواعى والقادر على أن يكون فاعلاً فى حوار الثقافات، ومصونًا ضد أخطار العولمة، ومحافظًا على هوية الأمة وقيمها.
وضمان الحرية الثقافية وتدعيمها، حيث إن حرية الثقافة وإن كانت تنبع من العدالة فى توزيع الإمكانات والإبداعات الإنسانية على الأفراد، فإنها فى الوقت نفسه عامل أساسى فى إغناء الحياة الثقافية وزيادة عطائها، ولكن لا يجوز فهم الحرية على أنها فتح للباب أمام كل تعبير، وقبول كل فكر، ولكن الحرية المقصودة هى الحرية المنضبطة بضوابط تحافظ على قيم المجتمع.
والتعرف على العولمة الثقافية، والكشف عن مواطن القوة والضعف فيها، ودراسة سلبياتها وإيجابياتها برؤية إسلامية منفتحة، غايتها البحث والدراسة العلمية، وفى الوقت نفسه نُعرّف تلك الثقافات العالمية بما لنا من تراث وتقاليد وقيم اجتماعية عريقة.
عدد الردود 0
بواسطة:
ابن الإسلام
البداية الصحيحة للمنهج الوحيد الذي نؤمن به