كل يوم تتسع الفجوة بين المجلس العسكرى بصفته المسئول عن إدارة شئون البلاد فى هذه الفترة الانتقالية، بعد إجبار حسنى مبارك على التنحى بفعل تفجر ثورة 25 يناير، وبين الشعب المصرى من ناحية والقوى السياسية أيضا، قد سبق أن أصدر المجلس تعديلات على قانون الأحزاب، ورفضت شعبيًا وسياسيًا، وتم تعديلها فيما بعد، وصدرت تعديلات على قانون الحقوق السياسية ورفضت شعبيًا وسياسيًا، وتعديلات على قانون الحقوق السياسية ورفضت شعبيًا وسياسيًا، وتعدلت أكثر من مرة وللأسوأ، آخرها جاء مصحوبا بقانونى مجلسى الشعب والشورى اللذين رفضا شعبيًا وسياسيًا، ويحتم الأمر إلغاءه أولًا، والعودة إلى مشروع القانون المقدم بإجماع القوى السياسية لما فيه من مزايا للناخب قبل أى فصيل سياسى، باعتباره الهدف والوسيلة من إجراء أى انتخابات، وفى حالة عدم التراجع العاجل والسريع، مع إصرار من المجلس العسكرى على رأيه، فإن بطلان عملية الانتخابات القادمة يصبح أمرا حتميًا، فضلًا عما يتركه من آثار نفسية كبيرة على الشعب وعلى القوى السياسية المختلفة، حيث إن تعامل المجلس العسكرى لا يختلف بأى حال من الأحوال عن طريقة معاملة نظام مبارك المخلوع، مع الشعب والقوى السياسية، فقد كان النظام المخلوع يتعامل بطريقة "دعهم يفكرون ويعبرون ويتحدثون ويكتبون ويعارضون.. إلخ"، ونحن نفعل ما نريد بما يتفق مع مصالحنا، وكانت النتيجة من جراء هذا النمط من التعامل هو السقوط المدوى لهذا النظام الذى تأكد أنه هش للغاية وبلا أساس شعبى على الإطلاق، ونحن نحذر من مغبة إصرار المجلس العسكرى على هذه النوعية من مشروعات القوانين التى تندرج تحت "قوانين سيئة السمعة"، وهذا النمط من التعامل الذى انكشف وسقط بسقوط مبارك وآل مبارك وأركان حكمه الفاسدين، ومن جانبى، فإننى لا أود أن توجد مجرد فجوة بين المجلس العسكرى والشعب أو القوى السياسية، باعتبار أن هذا المجلس يمارس دورًا حياديًا فى هذه المرحلة بين الجميع، فضلا عن أن ممارسة هذا الدور يعمق من الدور الإيجابى للمجلس العسكرى فى التنمية السياسية للبلاد ومن مرحلة ما بعد الثورة، فضلا عن أنه كان ضامنا وحاميا لثورة 25 يناير وشعب مصر كله من نظام مبارك، وعليه أن يستكمل المشوار بصدر رحب، وبرصيد لا ينفد، وبداية أسجل على هذا القانون الذى صدر ظهر الأربعاء 20 يوليو 2011 م، ملاحظتين أساسيتين هما:
1 - أن أصحاب فكرة النظام الانتخابى الواردة فى القانون "المناصفة بين القائمة والفردى" هم أعضاء سابقون فى لجنة السياسات، ومن جماعة كوبنهاجن الشهيرة المدعومة من عمرو موسى سابقا، وهو من سلالة مبارك ونظامه، ويعنيهم الأمر الدفع بهذا النظام لتحقيق مصالح لحزبهم المنحل عن طريق إتاحة الفرصة لبقاياه وقوائمه المتحملة وإعطاء الفرصة لأصحاب المال والنفوذ السياسى السابق والمستمر، أكثر من قوى الثورة الجديدة، وقد استمدوا وجودهم باعتبارهم من خبراء مركز الدراسات الاستراتيجية بالأهرام، وقد روجوا لهذا النظام عبر مقالات نشرت بالأهرام، وقمت بالرد عليها بمقال آخر من جانبى، فضلا عن مواجهات تليفزيونية معهم مباشرة.
وقد أكد أكثر من ممثل للقوى السياسية فى أحاديثهم خلال الأيام الماضية، أن هذا المشروع يعطى الفرصة لفلول الحزب الوطنى للعودة "د. السيد بدوى خلال موتمر سياسى لحزب الوفد فى الإسكندرية نموذجا، وغيره"، وبالتالى فإن أساس الفكرة معيبة فكريا ومشبوهة سياسيًا.
2 - أن الناخب البسيط فى مصر كان خارج تفكير أصحاب هذا المشروع، فالناخب المصرى هو ناخب بسيط يحتاج إلى نظام يلائمه ولا يستفزه أو ينفره، ولا ننس أن هناك 30% من الشعب المصرى أميون، ويجب أن نصبر عليهم بعد أن فشل نظام البسيط وليس المعقد، فضلا عن أن توقع الإقبال الشديد على المشاركة السياسية، قد تصل نسبته ما يفوق 70% بعد الأخذ بالجداول الانتخابية المستندة إلى الرقم القومى، لا يتناسب معه هذا النظام المطروح فى قانون المجلس العسكرى، لأنه نظام معقد وطويل ويحتاج وقتا كبيرا، وهو الأمر الذى يؤدى حتما إلى ارتباك العملية الانتخابية التى تصل إلى البطلان وعدم الاكتمال من أساسه.
وفى ظل هاتين الملاحظتين الأساسيتين، أطرح أسباب الرفض الشعبى والسياسى للمشروع العسكرى لإجراء انتخابات مجلسى الشعب والشورى، وهو:
1 - عدم الارتياح لزيادة عدد أعضاء مجلس الشعب من 444 عضوا إلى 504، أى زيادة 60 مقعدًا، على حين زاد عدد أعضاء مجلس الشورى من 258 عضوا إلى 390 عضوا، أى زيادة 132 مقعدًا!! وهو أمر لم يمثل مطلبا شعبيا أو ثوريا أو من أى من القوى السياسية، ومن ثم فهى زيادة غير مبررة إلا بما يتسق مع "النظام الانتخابى الأعور"، فقد أفهم أن يلغى التعيين فى الشورى وينتخب الجميع، وقد أفهم أن يلغى مجلس الشورى، وهو محل إجماع القوى السياسية ومرشحى الرئاسة المحتملين، وأن استمراره وتكاليف الانتخابات وأعباءها السياسية غير مبررة إلا باستمرار شكل نظام مبارك المخلوع.
ومع ذلك، تطرح هذه الزيادات غير المبررة تساؤلات لا حصر لها، ويكفى القول إن مكان انعقاد جلسات مجلس الشعب وحده لا تكفى مقاعده للعدد الحالى "444"، فما بالكم بالزيادة، وهل نسيتم كم تكلفت الدولة من أموال لمحاولة إفساح المجال لمقاعد المرأة داخل قاعة مجلس الشعب، وفشلت المحاولة، فلماذا التكرر إذن؟! كما أن قاعة الشورى لا تحتمل زيادة الثلث!!
وهنا فإن الطرح، اتساقا مع الاستفتاء والبيان الدستورى فى مارس الماضى بتأجيل النظر فى انتخابات الشورى لحين إعداد الدستور الذى قد لا يبقى عليه أصلا، وإن أبقى عليه فيمكن إجراء انتخابات له عقب الاستفتاء على الدستور الجديد، فهو عبء سياسى ومالى بلا شك.
2 - الإخلال بمبدأ المساواة وتكافؤ الفرص، الأمر الذى سيرتب بطلان الانتخابات القادمة حتميا، فالمرشح الفردى قبل القانون العسكرى، كانت له دائرة محدودة ومحددة، وبعد هذا القانون سيتم ضم كل دائرتين فى دائرة واحدة بلا مبرر، فكيف يستطيع أن يقدر ماليا وتنظيميا ودعائيا ورقابيا على دائرتين، فى حين كان المرشح الجيد فى ظل النظام السابق يستطيع بصعوبة السيطرة على حدود دائرته، فمن أين له بالمال والقدرات التنظيمية والدعاية الكافية، إلا إذا انخرط مع قوى المال أو كان منها؟! وهو الأمر الذى يحتم إتاحة الفرصة أمام القادرين ماليا على الترشح والفوز، وهو فى صف دعم القوى المضادة للثورة من النظام السابق، ليسيطر هؤلاء على نصف المجلس القادم!! فاتساع نظام الدائرة الفردية يحتم البطلان الدستورى للانتخابات القادمة، ولا ننس أن الأحزاب الجديدة بعد الثورة أغلبها استندت إلى قوى المال، وأن عددًا من الأحزاب اليسارية تحديدًا غير قادرة على الظهور بسبب المال وبسبب عدد التوكيلات "5 آلاف على الأقل".
3 - صمت القانون العسكرى على ترشيح الحزبين على مقاعد الفردى من عدمه، الأمر الذى يقود إلى الترشح، فى حين قصر القوائم على أعضاء الأحزاب، بل مكنهم من الائتلاف على قائمة واحدة، دون أن يعطى الحق للمستقلين فى ذلك، أمر يؤكد بطلان الانتخابات القادمة لأنه يخل بحقوق المراكز القانونية للمرشحين جميعًا، ويؤدى إلى ارتباك العملية الانتخابية بكاملها.
4 - صمت القانون العسكرى على كيفية احتساب النتيجة بالنسبة للقوائم الائتلافية، وكيفية احتساب النتيجة النهائية ونسبة الحصول على الحد الأدنى، يؤدى بطبيعة الحال إلى ارتباك العملية الانتخابية وبطلان نتائجها، فكيف يمكن احتساب نتيجة حزب أدرج ضمن قائمة لم تحصل على النصف فى المائة من عدد الناخبين، وكيف يمكن تجنيب حزب ضمن قائمة نجحت وتجاوزت النصف فى المائة واحتساب نتيجته، والأمر كان يستدعى وضوحا أكثر، ولكنه على ما يبدو الارتباك. وخلاصة الأمر، حيث إن العورات فى القانون العسكرى لإجراء انتخابات مجلسى الشعب والشورى كثيرة، وقد فصلناها فى أكثر من حديث ولقاء إعلامى، وأرى أن الرجوع للحق فضيلة، وأن الأخذ بنظام الانتخابات المدرج ضمن مشروع القانون المقدم من جميع القوى السياسية، وقد شرفت بصياغته مع زملاء أفاضل من كل التيارات السياسية، دون ذكر أحد لعدم نسيان أحد، هو السبيل للخروج من الأزمة الحالية، وتجنبا للقول بأن هناك أجندة خاصة بالمجلس العسكرى يدير البلاد على أساسها بغض النظر عن أصحاب الحق الأساسيين، وهم شعب مصر بجميع فئاته ويمثله حاليا رموز القوى السياسية المختلفة حتى إجراء أول انتخابات حقيقية قادمة.
ويكفى القول إن هذا التغيير فى النظام الانتخابى بهذه الصورة المعقدة أو البسيطة، إن تم الأخذ بنموذج القوى السياسية كان يستلزم فترة انتقالية للدعاية له وشرحه للرأى العام بصورة كافية حتى يفهمه الشعب ويستعد له، لمدة لا تقل عن ستة أشهر إلى عام كامل، وهو أمر محل إجماع جميع الخبراء فى هذا المجال فى أنحاء العالم، وأزعم أننى واحد منهم وقد راجعت نفسى للتأكد، فثبت صدق ما عندى ولدى شهادة موثقة من أحد أهم الخبراء وله كتب أكثر من أى خبير - برغم أنه من صناع هذا المشروع المرفوض شعبيًا وسياسيًا.
راجعوا الأمر قبل قوات الأوان، وقد سبق أن حذرنا كثيرًا منذ زمن، وصدقت رؤيتنا فى كثير مما حذرنا منه، والله الشاهد.
د. جمال على زهران يكتب: الرفض الشعبى لقانونى الشعب والشورى يبطل الانتخابات القادمة
الثلاثاء، 26 يوليو 2011 02:54 م