نظريا كان الشعب والجيش "إيد واحدة" فى مرحلة الإطاحة بمبارك الممتدة من 25 يناير وحتى 11 فبراير 2011، وعمليا وعلى أرض الواقع فإن الشعب والمجلس العسكرى يدان اثنتان منذ 11 فبراير وحتى اليوم.
الامتنان للمجلس العسكرى فى أدبيات الخطاب السياسى والتعاطى معه باعتباره صاحب فضل فى هذه المرحلة الخطيرة من تاريخ مصر فى رأيى هو أخطر ما يهدد الثورة، ذلك أن خطاب الامتنان والشكر والتقدير وغيرها من عبارات الممالئة وكسب الود قد يدفع المجلس العسكرى، بل دفعه بالفعل للتباطؤ فى تنفيذ استحقاقات الثورة كاملة، كما أننا بهذا الخطاب نكون قد أطحنا بمبارك، وجئنا بمباركين جدد.
دعونى ألمس كبد الحقيقة وأقول بمنتهى الوضوح إن مطالب الثورة لايجرى تنفيذها واحدة تلو الأخرى إلا فى أعقاب كل مليونية يتم تنظيمها فى التحرير، واستجابة المجلس العسكرى لا تتحقق إلا بعد أن يتأكد أن روح 25 يناير لم تمت بعد، وأن الثوار لم يعودو إلى ثكناتهم بعد، وهو ما يعنى أن الميدان هو الورقة الرابحة فى يد الشعب، ومن العبث أن يهمل أو يتجاهل الثوار ورقة قوية كمليونيات التحرير، طالما أنها الباب السحرى لتحقيق كامل مطالبهم.
نعم الجيش حمى الثورة وضمنها، وانحاز لها فى مرحلة من مراحلها، وكان له الدور الرئيسى والفاعل والمؤثر فى ترجيح ميزانها وكفتها لصالح الشعب، فى مواجهة بين ثوار عزل لا يملكون سوى قوة العزيمة والتحدى وإرادة النصر، وبين فرعون مدجج بأسلحة الشرطة العنقودية والمطاطية والحية وبكل أدوات السلطة وآلات البطش والقمع.
ولكن فى هذه المرحلة المفصلية والحاسمة من تاريخ مصر، فإن الانحياز الكامل من المجلس العسكرى للثورة أمر محل جدال، ويجب أن تمتد يد المجلس ويد الشعب لتتصافح على قدم المساواة على مائدة التفاوض، ليس بمنطق أنهما يد واحدة، وإنما هما يدان تتشاركان فى بناء وتدشين وطن جديد على أسس ومبادئ العدالة والديمقراطية والمساواة وحقوق الإنسان، ولأن الشاطر فى لعبة المفاوضات بين أى طرفين هو من يمتلك أسلحة أقوى، فإن مليونيات التحريرهى السلاح القوى فى يد الشعب وهو يتفاوض مع المجلس العسكرى، فإذا مات الميدان أو غابت روحه ساعتها سوف يفقد الشعب أقوى أوراقه.
المليونيات التى يتم تنظيمها فى التحرير وتجد صداها فى محافظات كثيرة فى مصر، هى بمثابة وقود الثورة، وما يقوله الرافضون للتواجد فى الميدان من أنصار أرباع وأنصاف الحقوق ومن أصحاب الحلول الباهته والمائعة عن عدم توقف الحياة وإعطاء الفرصة لعودتها إلى طبيعتها، هو الخطر بعينه، ذلك أن هؤلاء يريدون للثورة أن تقف فى منتصف الطريق من دون أن تكمل المشواروتحقق كامل أهدافها غير منقوصة حتى النهاية، فليس هكذا تنجح الثورات، ولا معنى لحديث عن عودة الحياة إلى طبيعتها، بينما أهداف ومطالب الثورة يجرى التباطؤ فى تحقيقها بطريقة تبعث على عدم الارتياح.
يخطئ من يتصور أن انحياز المجلس العسكرى للشعب فقط ضد الطاغية يكفى، وأنه أنجز كل الاستحقاقات ويخطئ من يتصور أن الثورة نجحت وانتهت برحيل الفرعون وسقوط نظامه، لأن هذا الاعتقاد يجعل مطالب وأهداف الثورة وكأنها توقفت فى منتصف الطريق وربما تعود من حيث بدأت إلى نقطة الصفر.
لا يجب أن نفرح بما تحقق من مطالب، ولكن يجب أن نتمسك بكامل حقوقنا التى اتفقت وتتفق عليها كل القوى الوطنية ونتمسك بها ونضغط لتحقيقها باستخدام كل الوسائل المشروعة، وعبر العودة إلى مليونيات الميدان مجددا ولو تطلب الأمر يوميا، فالميدان هو مهد ووطن الثورة ومحل إقامتها الدائم، وعلى أرضه الطاهرة تحققت بعض المطالب وبالتواجد المستمرفيه سننجح فى تحقيق كل المطالب، ومنه سننتزع كامل حقوقنا فى الحرية والعدالة والمساواة وحقوق الإنسان.
نعم العلاقة الآن بين المجلس العسكرى والقوى الوطنية ليست سمنا على عسل، وهذه أراها ظاهرة صحية فى مصلحة الوطن، وليست فى حالة خصومة أو عداوة لا سمح الله، لكن التاريخ سيسجل للمجلس العسكرى موقفه النبيل غير الطامع فى السلطة، وسيوثق إشرافه فقط على عملية تدشين ديمقراطية مصر قى مرحلة ما بعد 25 يناير، كما أن الشعب المصرى سيصبح بكامل إرادته مستعدا، لأن يقيم تماثيل للمجلس العسكرى عندما يتأكد أن أعضاءه أخذوا بيد الثورة إلى آخر وأقصى مطالبها، وأن يثبت باليقين أنه منحاز بنسبة مائة فى المائة للشعب، وعندما يصبح هناك إجماع بين كل طوائف الشعب المصرى على أن مليونيات الميدان قد أنجزت كل أهدافها، صحيح أن هناك توقيعات تطالب المجلس بحكم مصر، لكنها لا تعبر عن جموع الشعب وعلى المجلس ألا يطمع ويغير موقفه الذى أعلنه من قبل بأنه جاء فقط للإشراف وليس للبقاء أوالتأبيد فى السلطة.
وللذين يبتزون الثورة بالحديث عن تعطيل المليونيات للحياة أقول إن الثورات لا يتم التعاطى معها بمنطق "بارك الله فيما رزق" ولا يتم قياس نجاحها بشعار "خسارة قريبة ولا مكسب بعيد"، ولا تتحقق أهدافها بأن نسير على سطر ونترك سطرا، هؤلاء مخطئون فى تصورهم أوتوهمهم بأن أقصى أهداف ثورة 25 يناير هى الإطاحة بمبارك وبنظامه ويا بلد ما دخلك شر، فمن حق الشعب المصرى أن يحصل على أقصى مطالبه التى ثار من أجل تحقيقها.
سيظل ميدان التحرير هو قلب ثورة 25 يناير النابض ، وهو المؤشر على درجة إنطفاء جذوتها أو إستمرار توهجها ، ومليونياته المتواصلة حتى النجاح هى بمثابة الدماء التى تتدفق فى شرايينها لتمنحها القوة والفاعلية والحيوية والتأثير، وهى كالمياه المتدفقة التى تطهر بحور وأنهارمصر من الفساد والظلم ، وهى كالقطار الذى ينقل الثوار الى محطة أهدافهم الأخيرة .
الميدان هو المكان الذى شعرنا فيه بآدميتنا وكرامتنا وإرادتنا، ومنه حققنا النصر على الفرعون، ولعل أروع مافى هذه البقعة السحرية من قلب القاهرة هى الاسم، فمنه تحررنا، وفيه بدأنا نتذوق حلاوة النصر، فلنكرر العودة إليه كلما تطلب الأمر، لنعد مهما طال الوقت ومهما كان الثمن، بالعودة ستتحقق كل الأهداف وسيكتمل الانتصار.. كل الانتصار.
عدد الردود 0
بواسطة:
عبد الناصر سعد محمد عبد النبى
يارب حد يطمنى على رجوع شغلى
عدد الردود 0
بواسطة:
عبد الناصر سعد محمد عبد النبى
يارب حد يطمنى على رجوع شغلى