د.أنور مغيث

نحو دستور حديث

الإثنين، 25 يوليو 2011 09:40 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
الساحة السياسية مشغولة حاليا بالمناقشات حول الدستور، وهو أمر طبيعى وظاهرة صحية. فلقد عانى الشعب كثيراً من ترك أمر الدستور للمحترفين الذين تكلفهم السلطة بصياغته. فالشعب يريد أن يحقق طموحه فى دستور ديمقراطى حديث، وأن يفرض مطالبه ويضمن ألا يحدث التفاف عليها. كما يحرص أيضاً على تفعيل الدستور حتى لا يتحول إلى مجرد نص جميل على ورق لا يُعتد به فى الممارسة السياسية الفعلية.

ويستحوذ موضوع اختصاصات رئيس الجمهورية على اهتمام كبير، نظراً لما عانيناه على مدى سنين طويلة من صلاحيات مفرطة للرئيس. وهذا الموضوع، رغم أهميته الكبرى، ينبغى ألا ينسينا جوانب أخرى كنا نفتقدها فى الدساتير الماضية.

فعلى سبيل المثال إذا ما نظرنا إلى باب حرية الرأى والتعبير، نجد أن الدساتير السابقة كانت تنص على أن يتم تنظيمها حسب القوانين المعمول بها فى البلاد. ثم تأتى القوانين بعد ذلك لتضع عليها ألف قيد. ولهذا السبب رأينا محاكمات غريبة، شبيهة بمحاكمات العصور الوسطى، كتلك التى تعرض لها طه حسين أو نصر حامد أبو زيد، رغم أنهما لم يرتكبا جرماً وإنما استخدما حقهما الدستورى فى التعبير عن الرأى. وهنا لا مجال لإدانة صاحب الرأى بناء على صحة الرأى أو خطأه، فحق الخطأ مكفول، ولا مجال للإدانة بناء على مخالفة الرأى للاعتقادات الشائعة، فالحق فى التعبير عن الرأى جاء ليضمن الحق فى الاختلاف، وليحمى صاحب الرأى المخالف من أى أذى قانونى أو اجتماعى.

ولذلك، فى الدساتير الحديثة التى توضع لكى تُحترم، يُنص على ألا تًسن أى قوانين تحد من حرية التعبير، على أساس أن المبدأ الدستورى يكون فوق القانون وليس تابعاً له.

وكذلك لاحظنا فى التعديلات الدستورية الأخيرة التى تم الاستفتاء عليها أن هناك اهتماماً كبيراً بالشروط التى ينبغى أن تتوفر لمن يرشح نفسه لرئاسة الجمهورية.

ومن بين هذه الشروط شرطان غريبان : أن يكون من أبوين مصريين، وألا يكون متزوجا من زوجة غير مصرية. والسبب الذى قُدم لتبرير هذين الشرطين هو أنهما صيغا لضمان الولاء والانتماء، على أساس أنها شروط يخضع لها العاملين فى القوات المسلحة وفى السلك الدبلوماسى، فمن باب أولى يخضع لها رئيس الجمهورية.

ونحن هنا أمام مفهومين مختلفين فى الولاء. مفهوم يجعل الولاء مرتبطا بالانتماء للدم والآخر يجعله مرتبطاً بالانتماء للأرض. الأول مفهوم قديم نابع من المجتمعات القبلية التى كانت تنبذ كل من يعيش فيها بدون أن يرتبط بها بصلة الدم وتجعله من الموالى أو الصعاليك حتى لو كان حامى حماها مثل عنترة بن شداد الذى كانت أمه أفريقية. وهذا المفهوم كان معمولاً به فى دساتير الدول التى تنعدم فيها المشاركة السياسية للمواطنين ولا يتاح فيها للشعب اختيار الرئيس.

أما المفهوم الثانى الذى يربط الولاء بالانتماء للأرض فهو المعمول به فى الدساتير الحديثة التى تسود فى البلاد الديمقراطية. فالشعب لا يطمئن إلى ولاء المرشح من جنسية أبويه إنما من مواقفه السياسية وبرنامجه الانتخابى، ولهذا رأينا أوباما رئيساً للولايات المتحدة رغم أن أباه أفريقى مسلم، ورأينا ساركوزى رئيساً لفرنسا رغم أنه ولد فى المجر من أبويين مجريين، وعاش جزءاً من طفولته فى المجر وعلاوة على ذلك متزوج من إيطالية.

إن التشكيك فى ولاء مواطنين على أساس جنسية الأبوين أو الزوجة يحمل نوعاً من التمييز والعنصرية، ولهذا تلجأ إليه قوى اليمين المتطرف فى أوروبا للمطالبة بحرمان المواطنين ذوى الأصول العربية والإسلامية من حقوقهم السياسية. فيقولون مثلا إذا حدثت حرب بين إنجلترا وباكستان، أو بين ألمانيا وتركيا أو بين فرنسا والجزائر، إلى أى الطرفين سيكون ولاء المواطنين الأوربيين المسلمين. إن هذا الهاجس يقوض مبدأ الدستور من أساسه. فالأصل فى الدستور أن يضع جميع المواطنين تحت ظله وأن تختفى منه جميع أشكال التمييز، فكل مواطن، حتى لو كان حاصلاً على الجنسية المصرية حديثاً ينبغى أن تتوفر له نفس الحقوق التى للآخرين بما فيها حق الترشح لرئاسة الجمهورية.

وكل ما أتمناه ألا يعترض أحد محتجاً بأن شعبنا لم يصل بعد إلى النضج الموجود لدى الشعب الأمريكى أو الفرنسى، لأن هذه الحجة كانت هى دائماً السبب فى كل أوجه القصور التى اعترت دساتيرنا السابقة والتى سوغت الوصاية على الشعب.










مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
التعليقات 5

عدد الردود 0

بواسطة:

طارق سليمان

لا تقلق .. مصر إسلامية إن شاء الله

عدد الردود 0

بواسطة:

مسلم

اسلامية ان شاء الله

عدد الردود 0

بواسطة:

ابن الإسلام

إسلامية إن شاء الله رغم كيد الكائدين وحزلقة المتحزلقين

عدد الردود 0

بواسطة:

المصري الصريح

نعم ستخربوها انشاء اللة وعشنا وسنري

عدد الردود 0

بواسطة:

عبدالله يوسف

نقطة مهمة جدااااااااااا

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة