لعل السؤال الذى أصبح على لسان المصريين جميعا: ماذا يحدث الآن فى مصر؟ وألا من نهاية لتلك الفوضى التى نعيشها؟ ومن يفكر فى دعوات التظاهرات والاعتصامات واختيار المقولات التى ينادى بها حول سقوط المشير والذهاب يوم عيد مصر 23 يوليو (ولاحظو التاريخ) من أجل إفساد يوم عودة مصر للمصريين، ومن أجل إسقاط هيبة الجيش بعد سقوط هيبة الشرطة؟
لم أكن أنوى الكتابة حول هذا الموضوع ثانية لولا الأحداث التى آلمتنى، وسألت نفسى سؤالا هل يمكن أن تكون مصر مشروعا متكررا للعراق أو ليبيا، وما هو الهدف من عدم الاستقرار السائد فى البلاد.
أول ما فكرت أن مشروع إسقاط الدول بهذا الشكل تكمن خلفه صناعة خارجية المنشأ، وهذه الفكرة يتزايد الاعتقاد بها كلما عجزنا عن تفسير الأحداث، ولقد عجزوا عن إسقاط الدول قديما عبر الغزو العسكرى، لأنهم اكتشفوا أن التاريخ لطخهم بالدماء فى صفحاته والمقاومة الوطنية كبدتهم خسائر موجعة، لذا نراهم يحاربون عن بعد!! كما لو كانوا يلعبون!!
أصبح الاعتقاد يتزايد بعد العمليات العسكرية فى ليبيا، وسقوط العدد الهائل من الأطفال والشيوخ والنساء ضحايا من حلف الناتو باسم الحرية!! الحرية التى يريدونها بدماء الأبرياء من المدنيين، والسؤال لماذا تدخلوا عسكريا فى ليبيا، ولماذا قبل الثوار هناك التعاون معهم؟! المؤامرة أصبحت حقيقة على الأرض ورأيناها بأعيننا فى دماء أطفالنا.
ونراهم فشلوا فى غزونا ثقافيا إذ أن الصحوة الدينية والتدين الفطرى لدى المصريين جعلنا كلما صرفوا الأموال لتغيير مفاهيمنا الاجتماعية والثقافية، كلما ازددنا قربا من عاداتنا وديننا، لكنهم وجدوا شعوبا تريد الحرية من أنظمة غاشمة تعالت على شعوبها، وابتعدت عن أحلامهم ومطالبهم، ومن ثم أصبح المجال مهيئا والملعب خصبا لتحقيق الأهداف بعد أن امتلأ كوب القهر حتى لم يعد هناك مكان فيه للاحتمال.
تراهم يصرفون الأموال لما يسمى منظمات المجتمع المدنى ويتوغلون فى صحف الرفض، وإعلام للأسف فهم الرسالة بشكل خاطئ، وظن أنه موجه للتحرير فقط! حتى التليفزيون الرسمى الذى بالغ فى الشعور بالذنب حتى توجه للتحرير حبا واعتقادا وتكفيرا!!
لا نعرف صوتا نسمعه ولا مرجعية ننتهى عندها لثوار لا نعرفهم أيضا!! كان الهدف هو مصر، ولذلك نجحت ثورة 25 يناير، لكن الآن لا نعرف ما هو الهدف، ولعل السؤال الملح حتما هو ماذا يريدون؟
وزارة تغيرت ومحاكمات تجرى وأشخاص فى السجن وانتخابات على وشك الحدوث والحكم سيكون مدنيا برغبة الجيش, ماذا يريدون إذا؟!
الغريب أنه كلما تحقق هدف من الأهداف تراهم يقولون إنه لم يكن أصلا هدفا من أهدافهم مثل ما قالوا إنهم لم يكن يقصدون سقوط مبارك بل نظامه، ومثل أنهم لم يكونوا يقصدون إقصاء وزير بل تطهير المؤسسة التى يعمل بها، وهو منطق غريب ومنطق من قصد التصعيد بالأمور لأسباب خفية، لكنها تظهر فى الفوضى وترويع الآمنين فى بيوتهم، ويقولون سلمية بالحجارة وزجاجات المولوتوف الحارقة وإغلاق المحلات وتعطيل الإنتاج.
إن مصر ليست مجرد قطعة أرض، بل هو كيان يعيش فينا، نفرح لفرحها ونتألم حين نراها مهددة من قبل الغاضبين, وإذا سألوا عنك فإنى أقول إن فيك تراب الأحبة، فكيف بهم يكسرون أرضك لكى يتقاتلوا, فى سمائك نرى وجوهونا شاخصة لله حين تراودنا الأمانى، فكيف لتلك الوجوه أن تشعل النار فتعكر سماءها بالدخان.
أيها الغاضب, فيها كفاح أبيك وشقاء أمك فكيف لا تخاف عليها. وحين نسافر عنها يأخذنا الحنين إليها ونرجو الله إن متنا ألا يوارينا تراب غير ترابها, وهل يستريح ميت إلا إن مات فى سريره وعلى فراشه.
قبل أن ندور نبحث عن وطن تنبهوا، فأم الأوطان تكاد تصرخ فى المصريين أن انتبهوا وعلى الأبناء أن يسمعوا صوت الضميرداخلهم.
حتى لا تتحول البلاد إلى ثائرين ومعتصمين وعسكر ولجان شعبية وفلول وثورة مضادة وسلفين وإخوان وبلطجية ومسلم ومسيحى وصوفى، ومئات من الائتلافات ومتحدثين كثر باسم الشعب, نريد أن نكون جميعا مصريين نبدأ عندها وننتهى أيضا عندها. يجمعنا مصلحة الوطن ونقف على أرض واحدة.
ليس الغضب من مصلحة الوطن، وعلينا أن نعى أن تفعيل الغضب على الأرض يحدث فوضى.
ليس التخوين من مصلحة الوطن، وعلينا أن نعى أننا أصبحنا عنصريين تجاه معتقدات الآخرين، فذلك يعنى أننا انقسمنا وقديما قالوا الاتحاد قوة.
ليست المسيرات هى التى ستنمو بالوطن وإفساد يوم عيد مصر ثورة يوليو، ومن لا يحترم تاريخه فلن يحترم حاضره.
ليست الحجارة وزجاجات المولتوف من مصلحة الوطن فمن يشعلون النيران لا يمكن أن تأمل فيهم خيرا.
لكنى على الرغم من هذا المشهد المآساوى الذى نعيشه، إلا إننى على يقين أن مصر لا يمكن أن تسقط أبدا فهى تمرض أحيانا، لكن التاريخ يذكر دائما أنها ما إن تمرض إلا أن تقوم وتذهل العالم، ورغم حالة عدم التفاؤل-وهى عندى أيضا-لكنى واثق أن مصر بها الملايين من الشرفاء من المواطنين وأرباب الرأى والمثقفين من سيدافعون عنها، وعلى الأقل رأينا أجدادنا سطروا فى كتاب التاريخ حبهم للوطن، ونحن على خطى الأجداد سنفعل، فإنها ضاقت حتى ظننا أنها لن تفرج وغدا ستفرج، وإن كنا نظنها لن تفرج!
علم مصر
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
شكرى
مشكور جداااا
كلامك يا أستاذ محمد الخلاصة فعلا
عدد الردود 0
بواسطة:
د.جمال فهيم
يحيا حزب الكنبة
عدد الردود 0
بواسطة:
مصرى
الله ينور عليك
الله ينور عليك يا أستاذكلام طيب من انسان محترم
عدد الردود 0
بواسطة:
صبري
مقال ممتاز
مقال روعة يعبر بصدق عما نريد و لا عزاء للفضاءيات