أكد سفير مصر لدى الخرطوم، عبد الغفار الديب، أن مياه نهر النيل لن تكون مشكلة بين مصر وجنوب السودان، كما لن تكون مشكلة بين شمال السودان وجنوبه.
وشدد أن السودان بالنسبة الأولوية الأولى على مستوى علاقاته الخارجية، مضيفا أن هذه العلاقات ليست علاقات مصالح، وإنما علاقة أزلية ممتدة عبر التاريخ وعلاقة تواصل ومصير مشترك فيها التشابك بين الدم الذى يجرى فى عروق شعب وادى النيل، وفيها أيضا أن السودان هو الحزام الاستراتيجى لمصر، وأن مصر كذلك هى الأمن والأمان أيضا للسودان.
وقال إن الجانب الاقتصادى هو بعد رئيسى فى العلاقة لا يمكن أن يفصل عن بقية الجوانب الأخرى، لأن الموارد المصرية السودانية فى تكاملها ما يضمن الحياة الكريمة التى تتسم بالرفاهية لشعب وادى النيل، موضحا أن مصر تمتلك الموارد البشرية ذات الكفاءات العالية والسودان تمتلك الموارد الطبيعية الكافية التى يمكن استخدامها من خلال الموارد البشرية المصرية، ومن شأن هذا أن يحقق ويلبى طموحات الشعبين، خاصة فيما يتصل بالغذاء.
وفى بداية لقائه مع وفد الصحف المصرية "الأهرام والأخبار وكالة أنباء الشرق الأوسط"، بمقر السفارة المصرية بالخرطوم، لفت السفير عبد الغفار الديب إلى أنه بغض النظر عما يردده البعض على مسار هذه العلاقة من وقت لآخر بما فيها من نقاط تقدم وفى بعض الأحيان نقاط ضعف، فإنه من الظلم ألا نعطى للسودان ومصر الحق الكامل فى التعاون الكامل عبر كل القطاعات، وفى مختلف المجالات، لأن هذا هو حق الشعبين المصرى والسودانى على حكومتيهما.
وشدد الديب على أن علاقة مصر مع السودان هدفها، إلى جانب المصالح المشتركة، أن يتم تحقيق الاستقرار فى السودان، لأن الاستقرار والتعايش السلمى بين مختلف الأقاليم ومختلف القبائل والأطياف والتنوع الاثنى الفريد الذى يتمتع به السودان هو الضامن لاستقرار المنطقة بأسرها، لأن السودان بمساحاته الشاسعة وحدوده مع 9 دول أفريقية يعتبر نقطة تماس مهمة.
وأشار إلى أن هذه النقطة الجغرافية التى تحسب للسودان عبر التاريخ هى أحيانا تحسب عليه إذا ما أسىء استخدامها من أطراف أخرى خارجية، مؤكدا أن الدور المصرى يبرز فى الموقف المساند دائما للسودان فى أن تكون جغرافيا السودان وموارده نقطة إيجابية ومؤثرة وليست نقطة سلبية فى العلاقات السياسية الدولية.
وأوضح سفير مصر لدى الخرطوم عبد الغفار الديب، أنه انطلاقا من تلك الأسس كانت هناك أهمية للدور المصرى فى المرحلة السابقة، ومنذ أن تم توقيع اتفاق السلام الشامل بين السودان وجنوب السودان، بدأت مصر علاقاتها مع حكومة الجنوب حتى تأسست جمهورية الجنوب واحتفلت بإعلانها كأحدث دولة فى أفريقيا والعالم.
وأضاف أن الدور المصرى فى جنوب السودان اعتمد على إقامة علاقة شراكة مع حكومة الجنوب منذ عام 2005، وعقب إنشاء حكومة جنوب السودان بشهرين تم إنشاء القنصلية العامة المصرية فى جوبا.
وتابع أن أكثر الموضوعات حيوية فى ملف مجالات التعاون فى الجنوب السودانى هو مياه النيل، مشيرا إلى أن مصر لم تبدأ برامج التعاون مع الجنوب بطلب تنفيذ مشروع قناة جونجلى المتفق عليه، والتى تم توقيفه مع اندلاع الحرب أو التمرد فى الجنوب، وإنما بدأت مصر شراكة تنموية حقيقية لتنمية موارد النيل ليستفيد أبناء الجنوب، وذلك بتطهير الأنهار الفرعية وفتح الفوهات التى كانت مغلقة بسبب الطمى والحشائش ولا يمكن للمواطنين بالقرى الممتدة عبر الأنهار الفرعية العديدة من روافد النيل الأبيض استخدامها فى الملاحة النهرية، عوضا عن الطرق المغلقة فى فترات الأمطار، بالإضافة إلى استخدامها فى أغراض الصيد والتجارة البينية والتنمية.
واستطرد أن هناك أيضا مشروعات مصرية عملاقة فى جنوب السودان عند بحر الغزال وتطهير روافده وعمليات التنمية المائية الأخرى على أفرع النيل الأبيض على امتداده، بهدف إعطاء رسالة واضحة لجنوب السودان ولكل دول الحوض أن مصر تسعى إلى التعاون مع جميع شعوب الحوض لتنمية موارد النيل، التى هى بطبيعتها أكثر ما تحتاجه كل شعوب دول حوض النيل.
ومضى يقول إنه لن يكون هناك أساس لما يتخيله البعض من أن هناك صراعا أو تناحرا أو اختلافا جذريا فى المشاركة المائية فى موارد حوض النيل، مشيرا إلى أن التعاون والمشاركة فى مشروعات التنمية تمثل الموقف الحقيقى، كما يحدث حاليا من تعاون مع الجنوب السودانى الذى يعد نموذجا جيدا لذلك، وهو ما نجده يتكرر فى كينيا وتنزانيا وأوغندا ودول أخرى، مما تقوم به وزارة الرى من مشروعات للتعاون فى دول الحوض.
وأشار سفير مصر لدى الخرطوم عبد الغفار الديب إلى المشروعات الخدمية الأخرى فى جنوب السودان، وهى مشروع حفر الآبار لتوفير مياه الشرب والرعى، والتى تمثل مشروعات موجهة فى الأساس لمواطنى الجنوب وتنفذها وزارة الرى المصرية، وأن الهدف الرئيسى أن مصر تود أن تشعر أبناء الجنوب أنها شريكة فى التنمية وتسعى إلى النهوض بمستوى المواطنين بالجنوب.
وقال إن مصر دخلت أيضا فى مجال الصحة والتعليم وإنشاء المدارس وإقامة فرع لجامعة الإسكندرية فى ولاية وراب فى إقليم بحر الغزال وأيضا فى مجال التدريب المهنى وتدريب الكوادر فى الشرطة وفى غيرها، مثل إنشاء محطات الكهرباء التى أضاءت 4 ولايات من ولايات الجنوب العشر فى إطار مرحلة أولى لهذه النوعية من المشروعات.
وأضاف أن هناك أيضا كوادر جنوبية كثيرة يتم تدريبهم فى مصر على نفقة صندوق التعاون الفنى مع أفريقيا بوزارة الخارجية المصرية، كما يتم إيفاد قوافل طبية علاجية ومعونات غذائية، بالإضافة إلى معدات الصيد وغيرها مما أسهم فى إنقاذ بعض الولايات المتضررة من الفيضانات والسيول على مدار السنوات الماضية.
وتابع إن مصر حرصت على بناء هذه الشراكة مع وجود قنصلية مصرية، تعد هى الأولى لأى دولة أخرى فى العالم فى جنوب السودان فى رسالة واضحة مفادها أن مصر حريصة على السودان كله شمالا وجنوبا، لأن كلاهما أبناء شعب واحد ومصر شديدة الحرص على هذه العلاقة.
وأوضح السفير المصرى لدى الخرطوم أن انفصال الجنوب السودانى الذى حدث مؤخرا هو انفصال سياسى وانفصال كيانات محكومة بأجندة سياسية، وليس انفصالا عضويا، وتمثل الأجندة السياسية للحركة الشعبية لجنوب السودان منذ تأسيسها كحركة تحرير وطنى هدفها أن تحصل على الاستقلال مثل كل الشعوب التى حصلت على الاستقلال.
وأكد عبد الغفار الديب أن مصر تحترم الحكومة السودانية فى الخرطوم التى وقعت اتفاق السلام الشامل واحترمت اتفاق السلام ونفذت السلام الشامل ووصلت إلى مرحلة الاستفتاء ثم احترمت نتائج الاستفتاء واعترفت به ثم اعترفت الحكومة السودانية فى الخرطوم فى نهاية المطاف بحكومة جمهورية السودان الجنوبى والإعلان عن الدولة الوليدة فى الجنوب، وذلك يعطى مصداقية للحكومة السودانية بأنها تحترم السلام وهو مؤشر حقيقى نقدره، مما يؤكد أن هناك تعانقا ما بين السياستين المصرية والسودانية وأن كلاهما حريص على تحقيق الاستقرار فى السودان والاستقرار فى منطقة القرن الأفريقى.
وقال الديب إنه بالنسبة للمرحلة القادمة، هناك مع حكومة جمهورية السودان أساسيات لتأكيد التعاون وتوحيد المصير والتكامل، حيث تم وضع خطة شاملة لإحياء التكامل المصرى السودانى بمفهوم حديث، يتم من خلال خطة عمل تعتمد على برامج تنموية فعلية بدأت على أرض الواقع، والتى تجسدت فى اجتماعات اللجنة العليا المشتركة برئاسة الدكتور عصام شرف، رئيس الوزراء، ونائب رئيس جمهورية السودان السيد على عثمان محمد طه.
وأشار إلى أنه تم الاتفاق على توثيق "عقد زواج صالح" ما بين الموارد الطبيعية السودانية والموارد البشرية المصرية ذات الكفاءة العالية من أجل تلبية وتحقيق الاحتياجات للشعبين السودانى والمصرى، فيما يتصل بالغذاء والكساء وتحقيق الاكتفاء الذاتى من خلال التكامل ونقل الخبرات والتكنولوجيا وإيجاد فرص العمل وتقنيين أوضاع العمالة السودانية فى مصر والعمالة المصرية فى السودان.
ولفت إلى أن البلدين يسيران نحو تحقيق الحريات الأربع المتفق عليها بصورة تاريخية وفى إطار زمنى محدد متفق عليه فى الفترة القادمة. وحول الوجود المصرى فى السودان أشار الديب إلى أن المصريين فى السودان موضع ترحيب من الشعب السودانى والحكومة، فالسودانيون يرحبون بالمصريين سواء كانوا من رجال الأعمال أو المستثمرين أو على مستوى العمالة ويحترمون العامل المصرى ويقولون دائما إن العامل المصرى مجتهد جاء ليعمل ويدخر جزءاً من المال ليعود به لأهله.
وحول وجود عقبات أمام المستثمرين المصريين فى مختلف المجالات، أوضح السفير المصرى بالخرطوم، عبد الغفار الديب، أنه يجب أولا التفريق بين عوائق وبين نظم ولوائح قائمة لابد من نفهمها، فهناك مثلا تملك الأرض الزراعية أو الملكية فى السودان لها نظام مختلف عن الملكية فى مصر، وهذا النظام القائم يجب تفهمه قبل البدء فى المشروعات الزراعية المصرية ولكنه ليس نظاما مستحدثا أو قصد به إعاقة المشروعات الزراعية المصرية.
وأضاف أن المشروعات الزراعية المصرية موضع ترحيب وتشجيع كامل من الحكومة السودانية، لكن العقبة فى الروتين والبيروقراطية، وعلينا أن نعترف بذلك وأن هناك أجهزة بيروقراطية تسير كالسلحفاة ونحن نحتاج إلى نظام تنفيذى وآليات جديدة ودماء شابة وإلى فريق عمل قادر على العطاء، بما يتناسب مع المرحلة الثورية التى تمر بها مصر.
وقال الديب، إن الأرض فى السودان موجودة والحكومة السودانية خصصت الأراضى وفتحت الطريق أمام الحكومة المصرية لكى تأتى وتستثمر وتنشيء المزارع وتنتج المحاصيل الاستراتيجية المصرية التى تحتاجها، مشيرا إلى أن وزارتى الزراعة فى البلدين اتفقتا على عدد من الملفات الرئيسية، فى مقدمتها زراعة القمح والمحاصيل الزيتية التى تشكل أزمة حقيقية لمصر، كأزمة القمح وإنتاج المحاصيل الزيتية التى يمكن حلها تماما بزراعة الأراضى فى السودان بتلك المحاصيل.
وشدد على أنه ينبغى علينا أن نبادر ونجتهد وننتهز هذه الفترة بالدخول فى مشروعات فعلية وجادة واستغلال الفرص الحالية لنا فى السودان. وقال إن هناك مليونا و300 ألف فدان معروضة على مصر لزراعتها وبعد لقاءات مع عدد من رجال الأعمال للمشاركة فى هذه المشروعات رأينا أنهم يعرضون زراعة المحاصيل المدرة للربح مثل الفراولة وغيرها من المحاصيل البعيدة عن المحاصيل الاستراتيجية والقمح، بالرغم من أن مصر اليوم تبحث عن القمح ورئيس الوزراء عصام شرف عند زيارته للسودان حضر 20 اجتماعاً خلال يومين مع المسئولين ووزراء سودانيين ركزت جميعها على القمح، وهو ما يجب أن ننتجه جميعا.
وطالب الديب بتغيير الفكر القديم والاستفادة من رجال الأعمال الوطنيين فى تحقيق أهداف حقيقية للشعب المصرى، مشيرا إلى مهمة السفارة المصرية على أرض السودان تسهيل مهمة رجال الأعمال الجادين الشرفاء، كجزء من الرأسمالية الوطنية وتشجيعهم.
وقال الديب، إن الجانب السودانى مستاء ويتمنى أن تتم المشروعات التى يتم الاتفاق عليها فى إطار جدول زمنى واضح ومحدد ويريد الإنتاج الحقيقى والفعلى على أرض الواقع.
وحول حلايب وشلاتين، أكد أنه لا توجد مشكلة أو نزاع أو خلاف بين مصر والسودان، فيما يسمى بمثلث حلايب وشلاتين، مشيرا إلى ما أكده الرئيس السودانى عمر البشير خلال زيارته لمناطق ولاية البحر الأحمر، أن حلايب وشلاتين ليست مشكلة بين مصر والسودان، ولن تكون مشكلة من الآن فصاعدا، والتى حسم بها كل الجدل الذى تناولته وسائل الإعلام فى هذا الموضوع.
وفيما يتعلق بمسألة مياه النيل وتأثير انفصال جنوب السودان عن شماله على قضية مياه النيل وأثر ذلك على حصة مصر المائية، قال الديب، إن جنوب السودان أعلن أكثر من مرة على لسان الرئيس سلفا كير أن مسألة مياه النيل لن تكون مشكلة بين مصر وجنوب السودان، ولا بين جنوب السودان وشماله، وأنه يؤكد دائما، وعلى أعلى المستويات ذلك، كما أكد سلفا كير خلال زيارة الدكتور عصام شرف لجوبا مؤخرا أنه لو بقى فى الجنوب فى النيل الأزرق زجاجة مياه واحدة سنتقاسمها بين جنوب السودان وشماله ومصر.
وأضاف عبد الغفار الديب أن حكومة جنوب السودان تدرك حساسية موقفها بالنسبة للتعامل مع مياه النيل، باعتبارها دولة وريثة للدولة الأم وهى جمهورية السودان، وهناك اتفاقية موقعة بين مصر والسودان، وكان جنوب السودان جزء منها وهذه الاتفاقية ملزمة للسودان والاتفاق سارٍ.
وحول علاقة إسرائيل القوية بجنوب السودان، أجاب سفير مصر لدى الخرطوم عبد الغفار الديب، قائلا: أين هى العلاقات القوية بين إسرائيل وحكومة جنوب السودان؟! حتى الآن لا توجد علاقات بين إسرائيل وجنوب السودان، وحتى إذا دخلت إسرائيل فى علاقات مع الجنوب السودانى فستكون علاقات سواء بفتح سفارة وذلك قرارهم السيادى ونحن لا نتدخل فيه.
وأضاف أن إسرائيل لها علاقات مع أوغندا وأثيوبيا منذ عشرات السنين ودول أخرى من دول حوض النيل، ولم يؤثر ذلك على موارد مصر من مياه النيل، مشيرا إلى أن المشروعات التى تمت فى مجال التنمية المائية وتوليد الكهرباء فى أثيوبيا وأوغندا جميعها تحظى بمساندة ودعم مصر وأن لمصر فى أوغندا مثلا مشروعات عملاقة تقوم بها وزارة الرى المصرية، وتشارك فيها ولم يمنع ووجود إسرائيل تعاوننا مع هذه الدول، ونحن نتعاون مع دول حوض النيل كدول شقيقة وأرى أنه إذا دخلت إسرائيل فى علاقة أو لم تدخل فى علاقة مع حكومة جنوب السودان فلن يكون ذلك على حساب مصر.
وحول رؤيته للدراسات الدولية التى تشير إلى اقتراب شبح حرب المياه فى حوض النيل، بعد حدوث ندرة مائية فى عام 2050، أشار الديب إلى أن هذا النوع من الدراسات يشعل بها بعض الباحثين الهلع والفزع لدى بعض الدول النامية، فيما يسمى بحرب المياه، ليس فقط فى حوض النيل ولكن فى جميع أحواض الأنهار الدولية وبين الدول المتشاطئة بما فى ذلك أوروبا وأمريكا اللاتينية، لكن حتى الآن لم تشتعل أى حرب فى هذه المناطق لأنها من نسيج خيال فئة من الباحثين عاشقى الإثارة الدولية.
وطمأن السفير الديب، الشعب المصرى العظيم، مؤكداً أنه لن تقوم حرب على المياه فى دول حوض النيل، مشدداً على أن طبيعة نهر النيل التى خلقها الله لن يغيرها البشر، ولن يستطيع البشر أن يوقفوا فضل الله على مصر، بالإضافة إلى ذلك فإن دول منابع النيل تدرك أن هناك ما يكفى ويفيض على الجميع من المياه ويصل إلى حد التخمة المائية، ففى جنوب السودان هناك فائض مائى تعانى منه ومصر تساعدها على مواجهة السيول والفيضانات وتعرض أراضيها للغرق.
سفير مصر لدى الخرطوم: مياه النيل لن تكون مشكلة بين مصر وجنوب السودان
الأحد، 24 يوليو 2011 04:26 م