جيهان فوزى

تجارة الموت

الأحد، 24 يوليو 2011 09:26 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
فى الأفلام الأمريكية الهوليودية، تجارة البشر والسلاح والمخدرات والدعارة تستحوذ على مساحة كبيرة من نسبة الأفلام التى تعتمد على الأكشن، عالم مختلف كلما أبحرت فى أعماقه كلما صدمك حجم القسوة والعنف والتفنن فى ابتكار الجريمة، لكنه يبقى عالما افتراضيا فى الجانب الآخر من الكرة الأرضية بكل تقنياتها العلمية والتكنولوجية، القائمة على ثقافة العنف والجريمة، ولا تتصور قط أنه قد يدخل حياتك، وتتنفس رعبه، إلا فى الأحلام أو الكوابيس المرعبة التى تزورك بعد يوم عمل شاق ومجهد لكل خلايا جسدك.

لكن أن يتجسد هذا العالم بهذه الوحشية والكثافة ، ليتسلل إلى بنيان المجتمع فتلك هى الكارثة، وتدريجيا أصبحنا ضحايا لهذه المشاهد التى سجلتها ذاكرتنا وحفظتها نقلا عن الأفلام المستوردة من الغرب، وكانت تحفز داخلنا روح الإثارة والإحساس بالبطولة فى حال التغلب على الأشقياء، الفرق الوحيد فى هذه المشاهد الآن هو أننا لانستطيع التغلب على هؤلاء الأشقياء، بل نقع ضحايا لجرائمهم وقسوتهم ونعيش فى دوامة المأساة التى تتناقلها الأفواه المكممة كل حسب خياله وطريقة سرده، وما أكثر القصص التى أصبحت يومية ومتكررة تدمى القلوب من هول أحداثها.

سيفزعنا موت عزيز بسلاح البلطجة، الذى أصبح أكثر رواجا هذه الأيام تحت ذرائع ومسميات شتى، أهمها أن حمل السلاح جاء للدفاع عن النفس! بينما عشرات الأرواح التى تزهق كل يوم على الطرقات السريعة والقرى والمدن بفعل قطاع الطرق ومستوحى أفلام الأكشن الأمريكية، لا يلق لها بالا، ويتم التعامل معها باستخفاف!

وإذا كان سماسرة السلاح يبيعون الموت، ويحققون الثراء، فإن كل الأسلحة تبدأ كأسلحة مشروعة، ثم تنتهى إلى الارهاب وفى أيدى أصحاب السوابق، فماذا لو علمنا أن تجارة السلاح تغذى أكثر من 40 صراعا فى العالم، خاصة وأن التصدير العالمى للأسلحة الخفيفة يأتى من أمريكا والدول الأوروبية، التى تعمل على إشعال الحروب وزرع القلاقل فى بلدان الدول النامية حتى لا تفقد السيطرة عليها.

وفى مصر استغل الخارجون عن القانون فترة الانفلات الأمنى التى أعقبت ثورة 25 يناير، لإنعاش تجارة المخدرات لاسيما بعد الاستيلاء على أكثر من 16500 قطعة سلاح من أقسام الشرطة التى جرى اقتحامها أثناء الثورة، وكان من شأن ذلك إشعال معارك نارية دامية بين تجار المخدرات وتنشيط تجارة الأسلحة، وبسبب الانفلات الأمنى أيضا انتعشت تجارة المخدرات، فتجارة السموم والأسلحة وجهان لعملة واحدة، ينتعش كلاهما بانتعاش الآخر.

تلهث التجارة السرية فى البنادق والذخيرة فى أغلب الأحيان وراء الحروب والخراب، وانتقلت هذه الحروب من تجار المخدرات إلى ترويع الآمنين، بل وقتلهم إذا اقتضت الضرورة، وقد سمعنا مؤخرا عن قتل عشرات المواطنين، فى مناطق مختلفة من البلاد بهدف السرقة أو الاغتصاب، بعد أن كنا نتباهى ببلد الأمن والأمان مهما حل عليها من نوائب؟

وفى قتل هؤلاء حكايات فاقت فى بشاعتها قصص الأفلام فى السينما الأمريكية، على الأقل فى الأفلام هناك بطل خيَر لابد أن ينتصر للحق فى النهاية، بينما هنا فى الواقع تتشابه النهايات فى قسوتها وطبيعتها الجديدة على المجتمع، ولا تنتهى بانتصار البطل الذى يظهر للدفاع عن المجنى عليه أو الضعيف أو المغلوب على أمره.

قصة وكيل النيابة ابن المنصورة الذى تخرج حديثا، وذهب مع خطيبته ووالدته لقضاء يومين فى أحد المصايف القريبة من محافظته احتفالا بهذه المناسبة، واعترض طريقه فى وضح النهار، مجموعة من قطاع الطرق وأجبروه على ترك أمواله، واغتصبوا خطيبته وقتلوه أمامها، وأصيبت والدته بصدمة عصبية حادة، فضلا عن خطيبته المنكوبة، لا زالت ماثلة أمامنا بكل وحشيتها وتجردها من الإنسانية، وأصبحت حديث المدينة وقراها، وحتى اللحظة لم يتم العثور على القتلة الذين نفذوا جريمتهم بدم بارد، وهناك عشرات القصص المشابهة التى بدأت باعتراض أشخاص مجرمين لمواطنين عزل على الطرقات، وانتهت بمقتلهم وفى معظمهم من الشباب وسط غموض ورعب الأحداث، ولم يعد الليل ساترا لهذه الجرائم، فلا يوجد فرق فى وقت حدوثها ليلا كان أم نهارا، طالما السلاح حاضرا ومفعوله أكيد، فأرخص شىء فى مصر الآن هو السلاح الذى سرق من أقسام الشرطة وفى الغالب لا يتجاوز سعره 50 جنيها رغم أن سعره الحقيقى يقدر بالآلاف، ومن يمتلك سلاحا لن يفرط فيه لأن مصر لم تعد آمنة والشارع غدار، ومن هنا كانت الاستجابة لمبادرة تسليم الأسلحة للدولة ، التى أطلقها المجلس العسكرى ووزارة الداخلية من دون تعرض للشخص للمساءلة القانونية، ضعيفة ولم تؤت ثمارها، فلم يتم تسليم سوى حوالى ثلاثة آلاف قطعة سلاح فقط.

وإذا كانت تجارة السلاح والمخدرات من سمات المرحلة الانتقالية فى أعقاب الثورات أو التغيرات السياسية الكبرى أو الانقلابات المفاجئة، وما يتبعها من انفلات أمنى وأخلاقى وسلوكى فى تلك المرحلة من تاريخ أى شعب، فكم يكفينا من الوقت لمنع ازهاق المزيد من الأرواح وترويع الآمنين، والسيطرة على هذه المجموعات الخارجة على القانون وتجار المخدرات والدعارة التى تستفيد من هذه الأجواء فى انعاش تجارتهم؟ ومتى يمكن التغلب على هذه الظاهرة المرعبة ؟ هل بقتل المزيد من المواطين لنصبح مثل شيكاغو الأمريكية أو أفلامها الهوليودية ! أم بزيادة الحزم والدعم الأمنى الجاد من قبل أجهزة الشرطة ويلمسه المواطن بوضوح فى الشوارع والطرقات التى أصبحت نهبا لكل من يريد ممارسة البلطجة والتخريب والاحتيال والترهيب ؟ ألا يمكن أن يكون هناك دوريات راجلة وأخرى راكبة بكثافة داخل وخارج المدن مزودة بتقنيات عالية من الأجهزة المكافحة للارهاب ، وبدلا من استخدامها بدعوى مكافحة الشغب ، آن الآوان لاستخدامها فى حماية المواطن وتأمينه!







مشاركة




التعليقات 1

عدد الردود 0

بواسطة:

Emad

ضربتي عصفورين بحجر

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة