أصدر مركز كارنيجى الأمريكى للسلام تقريراً عن الوضع الاقتصادى فى مصر، قال فيه عدد من خبراء المركز البحثى الذين قاموا بزيارة للقاهرة فى يونيو الماضى إن الحصول على شرعية سياسية شعبية لتحقيق الانتقال السياسى يتطلب من الحكومة أن تظهر تقدماً على الجبهة الاقتصادية يشمل الابتعاد عن السياسة التى تتبناها الحكومة الحالية بعد إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، لأن استمرارها يمثل كارثة اقتصادية.
وأشار التقرير فى البداية إلى أن فشل الانتقال الديمقراطى فى مصر والعودة إلى الحكم القمعى السلطوى سيكون له عواقب عميقة وتأثيرات سلبية على فكرة الإصلاح الديمقراطى فى بلدان المنطقة الأخرى، فرغم أن نجاح تجربة الانتقال الديمقراطى فى هذه البلاد مرتبط بظروفها الداخلية بلا شك، إلا أن نجاح مصر فى إنشاء ديمقراطية تقوم على المساءلة وتستند إلى حكومة تتمتع بكفاءة سيجعلها مثالا قوياً وقوة استقرار فى منطقة تواجه اضطرابات.
ويمضى التقرير فى القول: إن المظالم التى فجرت ثورة 25 يناير كانت سياسية بالأساس، لكن الشكاوى الاقتصادية القديمة كان لها دور أيضا. فإلى جانب تزوير الانتخابات البرلمانية عام 2010 واستمرار استخدام إجراءات الطوارئ القمعية على مدار عقود وغياب حرية التعبير والتجمع مما سرق من المصريين إحساسهم بكرامتهم، كان هناك أيضا تحميلهم للحكومة مسئولية ارتفاع معدلات الفقر والبطالة والفساد والأمية والفروق العميقة بين الأغنياء والفقراء.
وحدد خبراء مركز كارنيجى الأمريكى للسلام خمسة "أساطير" خاطئة تتعلق بالاقتصاد المصرى، استنبطوها بعد زيارة قصيرة قاموا بها إلى مصر فى يونيو الماضى.
وتتحدد هذه الأساطير فى التالى:
أولا: أن اقتصاد مصر فى حالة ضعف وعجز، وهذه فكرة خاطئة. فالاقتصاد المصرى قوى ومتنوع وكان يتمتع بمعدلات نمو كبيرة قبل الثورة. ومع تجديد أى حكومة منتخبة لالتزامها بتحسين بيئة الأعمال ومعالجة العجز المالى، فلا يوجد سبب يمنع اقتصاد مصر من أن ينمو سريعاً مرة أخرى.
ثانياً: أن الإصلاح الاقتصادى يجب أن ينتظر حتى يتم تحقيق الإصلاح السياسى، وهى فكرة خاطئة أيضا لنفس السبب السابق.
ثالثاً: أن المشكلات المالية الرئيسية لا يمكن معالجتها قريبا، وهذا غير صحيح. فعلى أقل تقدير يمكن بل يجب أن يتم إنهاء دعم الوقود لأن هذا الدعم غير فعال ورجعى ويشكل عبئاً كبيراً على الدولة. وبدون معالجة مشكلات الدعم، فإن البلاد تتجه نحو أزمة اقتصادية عميقة.
رابعاً: أن مصر فى حاجة إلى دعم ميزانيتها بشكل عاجل. وهذا غير ضرورى على ما يبدو. فالحكومة المصرية قد رفضت الاقتراض من البنك الدولى وصندوق النقد وستسعى بدلا من ذلك إلى الحد من الإنفاق وتلقى أموال من الدول العربية. ولعل منح الحكومة مزيدا من الأموال الآن لن يشكل فارقاً كبيراً فى المرحلة الانتقالية. وبدلا من ذلك، فإن هناك سعيا إلى إيجاد طرق لتحويل المساعدات إلى استثمارات مباشرة فى القطاع الخاص، وشراكات مع القطاعين العام والخاص فى البنية التحتية والمجتمع المدنى.
خامساً: أن المجتمع الدولى قد فعل كل ما بوسعه فى مساعدة مصر، وهذا غير حقيقى. فالولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى والأطراف الخارجية الأخرى يمكنها أن تفعل المزيد لتحفيز ودعم الإصلاحات الاقتصادية. ويجب أن تفعل ذلك لأنه سيؤدى بدوره إلى دعم الانتقال السياسى نحو الديمقراطية. ويمكن أن تسهل أشكالا محددة من المساعدات مبادرات التنمية الشعبية وتعزيز مؤسسات المجتمع المدنى بما يجعل لها تأثيرا دائما.
ويشير خبراء كارنيجى إلى أن الحكومة المصرية التى ستتشكل بعد الانتخابات البرلمانية والرئاسية، ستواجه عددا من التحديات الاقتصادية. فإلى جانب ارتفاع الدين العام، سيتعين على حكام مصر الجدد أن يضمنوا أن الاستثمار والنمو الاقتصادى وتوفير فرص العمل يتواكب مع الاتجاهات الديمجرافية. وسيتطلب هذا توفير 700 ألف وظيفة جديدة ومنتجة ودائمة كل عام فى القطاع الخاص لاستيعاب زيادة القوى العاملة.
ولأن الثورة كان أحد أسبابها الاستياء الشعبى من المحسوبية والفساد فى حكم مبارك، فإن الحكومة المنتخبة يجب أن تنأى بنفسها عن مثل هذه الممارسات. ولا تعد مصر فريدة من نوعها فى هذا الأمر، فالفساد موجود فى الدول النامية وشائع أيضا فى كثير من الدول المتقدمة. والحد من الفساد يتطلب تغييرات عميقة فى الثقافة وفى الحوافز الاقتصادية أيضا.
ويمكن أن تتخذ بعض التدابير بشكل فورى مثل خلق آليات أفضل للسيطرة والشفافية والمحاسبة من أجل ضمان ألا تعتمد الفرص الاقتصادية على العلاقات السياسية بشكل أساسى.
ويرى المركز الأمريكى أن استمرار السياسات الاقتصادية الشعبوية للحكومة الانتقالية بعد الانتخابات يمثل كارثة اقتصادية. وأكد مرة أخرى على ضرورة مراجعة سياسات الدعم التى لا تزال مستمرة رغم الاعتراف الواسع فى مصر بضرورة الحد منها. كما أن عدد العالمين فى الدولة والذين يقدر عددهم فى الأساس بستة ملايين، قد زاد بعد إضافة 450 ألف عامل مؤقت إلى الوظائف الدائمة.
وخلص التقرير إلى القول أن التحقيقات الحالية مع عدد من رجال الأعمال والمسئولين فى قضايا فساد فى عهد مبارك تثير المخاوف بين رجال الأعمال، فالمحاكمات ذات الدوافع السياسية تزيد من مخاطر تثبيط الاستثمارات المحلية والأجنبية.
"كارنيجى" يحدد خمس "أساطير" تتعلق بالاقتصاد المصرى
الجمعة، 22 يوليو 2011 03:00 م