عمرو عبد السميع

23 يوليو

الخميس، 21 يوليو 2011 12:24 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
يا شباب ثورة يناير.. ثورة يوليو عمل باهر وعملاق يزهو به كل من عاش تحت ظلاله

بيقين أرفض الذين يحاولون أن يجعلوا من ثورة 25 يناير المجيدة حاجزاً يحجب ما قبله، وصفحة تطوى ما عداها، أو عملية تجريف للتاريخ الوطنى الذى سبقها، أو - فى إطار المحايلات - ردماً لكل من عاشوا شبابهم فى سياقات زمنية غير تلك التى أعقبت يناير.

أحببنا أبناءنا، وأشقاءنا الصغار، وفلذات أكبادنا الذين انتفضوا فى الشتاء الماضى يلبون أشواقهم للعدل والحرية، ولكن ذلك ليس مسوغاً أو مبرراً يدفعنا لمنافقة أولئك الشباب، وقبول كل ما يأتى منهم، إذ إن ما صار يجيئنا منهم ليس - بالضرورة - صحيحاً.

وأحد الخطابات التى رافقت يناير، وأطلقها بعض النخوبيين والمتمولين من الوكلاء التجاريين والسياسيين، بعد أن قفزوا على الثورة، وروضوها، واقتادوها - فى معظم الأحوال - إلى حيث أرادوا، هو خطاب تصنيع الاستقطاب بين ثورة 25 يناير 2011، وثورة 23 يوليو 1952.
وبتنا نسمع - بإلحاح مدهش - فكرة أن ثورة يناير هى انتفاضة ضد استبداد ستين عاماً خلت.. بعبارة أخرى صارت ثورة يناير - على ألسنة هؤلاء - ضد جمال عبدالناصر وليست ضد حسنى مبارك!
وهنا لابد لنا من وقفة..

إذ أياً كانت الدوافع والحيثيات التى حركت بارونات الركوب على ثورة الشباب، ومحاولتهم الدفع نحو الصدام مع ثورة 23 يوليو بكل أبعادها المتعلقة بالتحرر الوطنى، والعدل الاجتماعى، والاستقلال فى مواجهة التبعية الدولية، والتنمية فى مواجهة التخلف، فإن استلاب الشباب لعلاقة ينبغى أن تربطهم بثورة يوليو تلك، أو دفعهم - تحت وطأة عدم المعرفة - إلى التنصل منها، أو الاعتذار عنها يعنى - بقول واحد - جعل يناير 2011 نبتة معلقة من شواشيها أو جذورها فى الهواء، ليس لها علاقة بما سبقها، ولن تكون لها صلة - والحال كذلك - بما سوف يلحقها.

وأعلم من شاء أن يتعلم أن ثورة يوليو كانت عملاً وطنياً إجماعاً بامتياز، صاغته والتفت حوله كل التيارات السياسية بما فيها الإخوان المسلمون، الذين - فى ملابسات معقدة جداً - تصادموا مع الثورة فأحدث كل طرف بالآخر عاهة سياسية تاريخية مستديمة.. ولكن ذلك لا ينفى عن ثورة يوليو أنها كانت عملاً يُنسب إلى الشعب المصرى بأسره.

وأهم ما فى ثورة يوليو أنها طرحت نفسها فى الفضاء الوطنى المصرى - منذ اللحظة الأولى - على أنها جزء من عملية مراكمة تتفاعل فى تبادلية مدهشة مع أحداث تاريخية سبقتها فى ثورة أحمد باشا عرابى 1881، وثورة سعد باشا زغلول 1919، وبينهما النضال الوطنى الرفيع والمتجرد لمصطفى باشا كامل ومحمد بك فريد.

هذه سُنة الحياة، وفطرة النضال والمناضلين، فالثورات لا تنشب فى الفراغ الكونى، ولا تعتبر نفسها الأول والآخر، لا تنظر إلى ما سبقها وفقاً لأحكام سياق تاريخى معاصر، أو آنى، أو حدثى، وإنما يعمد أصحاب العقول الكبيرة مع الوطنيين الحقيقيين إلى النظر لكل حدث، أو نقطة تحول إنسانية كبرى داخل سياقها الزمنى ووفقاً لمعطياته والتباساته.

كان المؤمنون بثورة جمال عبدالناصر يشكلون جانباً كبيراً جداً من مشهد الثورة فى ميدان التحرير، وغيره من ساحات الوطن فى يناير الماضى، أيام كان لميدان التحرير قوام يمكن تمييز مفرداته والتعرف عليها، وأيام كنا نتأمل - بفرح غامر - وجوه البنات والأولاد الذين أطلقوا نداء العدل والحرية.

كان معتنقو فكر يوليو مكوناً لا يستهان به - أبداً - فى موزاييك أو فسيفساء الثورة.
حضروا ومعهم أيقوناتهم من صور ورسوم، وأعلام، وأغانٍ رددها الجميع معهم، حتى بات الحديث عن عبدالحليم حافظ باعتباره «المطرب الأول لثورة يناير» مقولة متكررة تتواتر، ويتناقلها الجميع، لا بل إن الأغنية الأشهر لثورة يناير «يابلادى».

غابت تفاصيل ذلك المشهد، وصرنا فى مواجهة شباب آخر «يزقه بارونات الركوب على الثورة، ويوزوه، ويحرضوه».. وبات النزوع الغريب فى دمغ يوليو بالاستبداد شائعاً على نحو أدهش أى متابع، فالمفترض أن معركة يناير هى مع المستقبل، وفى المستقبل، والمفترض أنها تتسلح فى ذلك بكل مخزون مصر التاريخى، الذى تمثل ثورة يوليو جانباً معتبراً رفيع المقام منه.

ولكننا نسمع - بتكرار وإصرار - هجوماً يبغى إرضاء أطراف محلية ودولية ضد يوليو وعبدالناصر، وكأنهما الهدف الذى اندلعت يناير لتنال منه.
وفى غمرة التداعيات، واعتياد التراجع المهرول، والانحناء أمام كل ما يقوله الشباب ملقاً ومداهنة- وفى خضم تطورات خطيرة - ترتبط فى معظمها بالتكتيك الانتخابى أو بالرغبة فى تقديم بعض الشخوص إلى الصفوف الأولى حكومياً ومؤسسيا- مارس المجمتع ما جُبل عليه من ثقافة الترهل والاعتياد، ماضغاً إهانة ثورة يوليو، التى صادق بعض نجوم الارتباط بها - من فرط نفاقهم - على إطاحتها إلى أبعد بعيد.

تشاغل المجتمع وتعامى عن حماية تاريخه، وأُجبر الناس على الإلقاء بأشيائهم الحميمة، والتزام نوتة موسيقية سياسية جديدة لا تريد التناغم مع ما ورد فى نوتة أو نوت سابقة.
ولا أستطيع الجزم فى شأن طبيعة المنعطف الذى تحول فيه شباب الثوار من مطالبين بالحرية والديمقراطية إلى خصوم للقيمتين على نحو تترى قرائنه يوماً وراء آخر، إلا أننا نسجل عن أدائهم امتلاءه بكثير استعلاء واستكبار، حتى على الناس.. ملح الأرض.. فتافيت الماس.. وانتفاضة بكثير مخاصمة وإنكار حتى على وقائع التاريخ ومنجزات الحركة الوطنية.

أحببنا الشباب، وأشدنا بتحضرهم حين طفقوا يدهنون أفاريز الأرصفة وحوافها، ولكن ذلك لا ينبغى أن يفرض علينا - انصياعاً للضغط - أن نهلل حين يقومون بدهان الجرانيت الوردى المحفور الجميل فى مداخل مترو الأنفاق بالبوية البيضاء!!

كما أن ذلك لا ينبغى أن يرغمنا - انحناء أمام قوة الإجبار - أن نستحسن تلطيش كل شىء بالبوية الملونة بدءًا من جذوع الأشجار، إلى وصلات سور الكورنيش الحجرية، إلى أحواض الزهور بشارع رمسيس، إلى أرصفة شارع المطار، إلى سور حديقة بانوراما العبور الزجاجى!!

لا ينبغى ولا يجوز أن يُذِل الذين أعلنوا الثورة باسم الحرية والديمقراطية مواطنيهم، فيجثو كل من أولئك المواطنين على ركبتيه أمامهم راكعاً موافقاً على ما لا يجب الموافقة عليه.
منهج استبداد البوية هو نفسه منهج استبداد التليفزيون والصحافة، هو نفسه منهج الاستبداد السياسى، وهو - أخيراً - نفسه منهج تمزيق صفحة 23 يوليو بعد انتزاعها من كتاب التاريخ كما أراد بعض بارونات الركوب على الثورة وحرضوا شبابها.

ثورة يوليو 1952 - يا شباب ثورة يناير - هى إجابة مصرية على تحدى الخمسينيات والستينيات، قدمت فيها الجماعة الوطنية اجتهادها الذى أصاب أحياناً، وأخطأ أحياناً، ولكنه- فى التحليل الأخير - كان عملاً باهراً وعملاقاً، يزهو به كل من عاشوا تحت ظلاله الوارفة، ويستلهمه كل وطنى حقيقى أنجبه هذا البلد بعد 1952.. وتجاوب بعض الشباب مع افتعال أو اصطناع الخطوات مع ثورة يوليو «الذى يقوم بارونات ركوب الثورة يترويجه وتسويقه» هو أحد المعاول التى ضربت - من الأساس - مشاعر ارتباط الشعب بأولئك الشباب.

ثورة يوليو هى: جلاء الاستعمار البريطانى، والإصلاح الزراعى، وبناء السد العالى، وتأميم قناة السويس، وهزيمة العدوان عام 1956، وفى حرب الاستنزاف المجيدة، وبناء قاعدتى الصناعة الوطنية، والتقدم العلمى والتقنى، والارتباط بجماعة من الدول النامية ودول عدم الانحياز، اتسع حضورها وتأثيرها باطراد، وبناء جيش وطنى قوى.
وبالذات تلك الأخيرة.. «بناء جيش وطنى قوى»

اليوم هناك من يتخذ من عدائه لثورة يوليو - التى قام بها الجيش - رأس حربة يصوبه إلى الدور الذى تقوم به المؤسسة العسكرية الآن فى حماية الثورة وبناء النظام الديمقراطى.
واليوم هناك من يحاول خلط كراهيته لثورة يوليو بكراهيته لإسهام العسكر، فى تصنيع مستقبل البلد، وبناء نظامها الجديد.

هناك من يحاول إيجاد ثقافة ضد الجيش «محور الفكرة الوطنية المصرية» لأنه - ببساطة - يكره حضور تلك الفكرة الوطنية، أو وجودها من الأصل والأساس.
الجيش الذى قام بثورة يوليو، هو الجيش الذى انحاز لثورة يناير ومكن لها.
ومن يريدون تعميق الهوة الحالية بين الشباب والشعب يعمدون إلى انتزاع ثورة يوليو من ذاكرة ووجدان أولئك الشباب.
....................
فهمنا أم نعيد من الأول؟!





مشاركة




التعليقات 10

عدد الردود 0

بواسطة:

أدهم

نعم فهمنا !

عدد الردود 0

بواسطة:

علمانى

52 كانت انقلاب عسكرى !

عدد الردود 0

بواسطة:

محمد عبد القادر

52 كانت انقلاب عسكرى

عدد الردود 0

بواسطة:

إسلام أحمد طه

غريب حقاً

عدد الردود 0

بواسطة:

اشرف ابو عميرة

معقول لسه عايش وفيك نفس فى جو الحرية هذا!!

عدد الردود 0

بواسطة:

اشرف ابو عميرة

معقول لسه عايش وفيك نفس فى جو الحرية هذا!!

عدد الردود 0

بواسطة:

محمد رجب

الإحتفال بشرط

عدد الردود 0

بواسطة:

د/ السيد يوسف

مازلت تكتب ؟

عدد الردود 0

بواسطة:

مصري*

يوليو ومفهوم الانقلاب العسكري

عدد الردود 0

بواسطة:

مصريه

الف شكر يا دكتور لكن واضح من الردود التسعه السابقه انك لازم تعيد ليوم القيامه

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة