يبدو أن ما حدث لقطاعات اقتصادية مهمة فى مصر، من حيث تعمد عدم تطويرها، وتركها نهبا للإهمال، حتى يمكن الدفاع عن بيعها، «بتراب الفلوس»، يطبق - منذ سنوات - بصورة أو بأخرى، على كليات التربية، والتى من المفروض أن تعد آلافا من المعلمين، الذين يكونون مسؤولين عن تعليم مئات الألوف من أبنائنا، عاما وراء عام، أؤكد على هذا حتى لا يذهب سوء التقدير بالبعض إلى أننا نثير هنا قضية «فئوية»، إذ هى قضية تهم كل المصريين، ومن ثم كيف نترك مستقبل أجيالنا الجديدة، عاما بعد عام، يعيشون هذا المسار المؤسف حقا؟!!
فوفقا للقواعد العامة الرسمية، فإن من يريد الالتحاق بإحدى كليات التربية، يدفع بضع مئات من الجنيهات، هذا فى الوقت الذى نصت فيه القوانين والدساتير على «مجانية التعليم». لكن هناك بابا آخر للالتحاق بكليات التربية أمكن منه أن تدور مصروفات الطالب حول الألف جنيه، ذلك هو الباب الخاص بخريجى الجامعات الذين يلتحقون بما يسمى الدبلوم العام لمدة عام، ولكل جامعة أن تبرر رفع المصروفات كما تريد. حتى جامعة الأزهر، لا أقول التى فاقت كل مؤسسات التعليم فى العالم، فى تقديم التعليم «مجانا»، بل كانت تقدم لطلابها «معونة» مالية، هذه الجامعة، أخذت تسابق الجامعات المدنية، فى «نزف» جيوب طلاب التربية بها.
وهكذا، عندما يتحتم على الملتحق بكليات التربية أن يدفع ما يقرب من الألف جنيه، هذا غير الكتب التى تبلغ تكلفة شرائها عدة مئات أخرى، فإن هذا، قياسا إلى المقدرة الاقتصادية لهذه الفئة من طلاب العلم، وهذا النوع من التعليم، فإننا نكون أمام «خصخصة» لكليات التربية.
ومما يكمل الصورة، أن الدولة قد أخذت تنهج سياسة التقليل من أعداد المقبولين فى كليات التربية من حملة الثانوية، الذين يطَالَبون بدفع عشرات الجنيهات، والزيادة المستمرة فى قبول خريجى الجامعات الذين يدفعون مئات من الجنيهات، حتى إن بعض الملتحقين فى بعض الكليات يصل عددهم إلى ثمانية آلاف، وأحيانا أكثر!!
ولعلم القارئ، فإن هذا «الدبلوم التربوى» الذى يحصل عليه خريجو الجامعات، منه ما هو «صباحى» لمدة عام، للمتفرغين للدراسة، و«مسائى» لمدة عامين، لمن يعملون بالتدريس، ولابد أن تتوقع أن يلتحق المدرسون غير التربويين بنظام العامين، لكن الواقع يقول بغير ذلك، فهناك أعداد غير قليلة، يلتحقون - وهم يعملون بالتدريس - بنظام العام، الخاص بالمتفرغين!!
لكن السؤال الذى يكمل الصورة، هو أن وزارة التربية، وهى الراعية - هكذا المفروض - للمعلمين، مع الأسف الشديد تسهم فى هذا الوضع المأساوى «اللغز»، ربما بغير قصد، كيف؟
إن الذى يجبر خريجى الجامعات على دفع هذا المبلغ الطائل، هو أن أغلب الملتحقين، هم من المتعاقدين على العمل كمدرسين، بمبلغ «رمزى» يصل إلى مائة جنيه، ولا يستطيع هذا المدرس المتعاقد أن «يثبت» فى الوظيفة، فينتقل نقلة نوعية من حيث المرتب، إلا إذا حصل على «مؤهل تربوى»، حسب قواعد وقانون ما عُرف «بالكادر»، وهو الأمر الجيد فى حد ذاته، فما المشكلة؟
المشكلة تكمن فى أن الوزارة هى كمن يبحث ويعلن عن حاجته لشخص بعينه، دون أن تلتفت إلى أنه بالفعل موجود على كتفيها.. بصريح العبارة، الوزارة تخلت عن الالتزام بتشغيل خريجى كليات التربية، منذ عام 1994، الذين ينفق على تأهيلهم مدة أربع سنوات، ملايين من الجنيهات، لتعين من لم يُعَد للتدريس، ثم تطالبه بالحصول على مؤهل تربوى، فيضطر المسكين إلى دفع مبلغ ضخم للحصول على مؤهل تربوى.. فكأننا دخلنا فى ساقية جحا.. نترك من تم إعداده فى أربع سنوات، فى الكليات الجامعية المتخصصة لإعداد المعلمين، ونبحث عن خريج لم يُعدّ أصلا للتدريس، ونطلب منه أن يتأهل فى عام...فزورة، لكنها ليست لتنشيط التفكير وتنمية العقل، وإنما لتشريد آلاف من خريجى كليات التربية، الذين التحقوا بها بالثانوية العامة ودرسوا مدة أربع سنوات، وتنمية جيوب بعض الكبار، وملء خزائن الجامعات بموارد مالية من هذه الفئة المضطرة المنكسرة!
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
ياسر المظلوم
والله عندك حق
عدد الردود 0
بواسطة:
شريف النجار
كده كفايه
عدد الردود 0
بواسطة:
ابوعلى
مهزلة
عدد الردود 0
بواسطة:
نور
وتدور الدائرة
عدد الردود 0
بواسطة:
خالد ابراهيم
ا - اسكندريه نبويه موسى الثانويه الجديده
عدد الردود 0
بواسطة:
مروان بسيوني
قلهم قل لهم الناس مش حاسة بينا
هو ده الكلام
عدد الردود 0
بواسطة:
وائل
هذه هى الحقيقة نحن فى بلد ترجع الى الوراء
عدد الردود 0
بواسطة:
محمد بيومى محمد
لابد من حل لخريجى التربية