يوم جديد يبدأ فى المرور على أيام عمره شاكاً فى كونه جديدا حقاً، فكل المقدمات تنبئ عن أنها ستنتهى بنفس النتائج القديمة المؤلمة، فكل شىء يسير بشكل روتينى بغير حياة، بحياتك أو بدونها ستسير بذات الكيفية، الزوجة المتسلطة، والمدير المغرور، حتى الشمس المحرقة، وأزمة المرور التى يستنشق فيها دخان السيارات فى تلك الأوقات الطويلة التى يقضيها فى انتظار التحرك، لكن لا شىء يتحرك، وإن تحرك لا تصدق أنه تحرك، فقط أزيح من مكانه قليلاً لكن فى نفس المكان.
يبدو أن أزمة المرور أصابت أيامه أيضاً، فلا مشكلات ُتحل، ولا عقبات ُتزل، نفس المطبات بذات الطرق، كما لو كانت تلك المطبات علامة مميزة وأثرا هاما يجب الاحتفاظ به.
ها هو مضطر إلى أن يلقى الصباح على مديره بابتسامة مصطنعة، ويضطر إلى الصمت على امتداحات زملائه فى أسلوب الإدارة المميز، والنتائج المعجزة التى تحققت، كم خسر من عدم اشتراكه فى عزف تلك المعزوفة النشاز، فقد ملأت الدنيا ضجيجا، وليس لها من الجمهور إلا واحد يطرب لها، ولكن هو الأهم فى تلك المنظومة وليذهب باقى الجمهور إلى الجحيم، ولمَ لا يطرب لها، وقد عزفت كلها فى مدحه، ويرفع أنفه بافتخار، حتى وإن كانت نتائج أعماله عار، لا يهم طالما المستفيدون يتقنون الأدوار، هذا له يصفق، حتى لا يسمع جرس الإنذار، وهذا يمنع عنه أشعة الشمس حتى لا يرى الإشارات الحمراء، وهذا يحرص أن يكون معلمه الوحيد الذى يوحى له أن الكل بعده جهلاء.
وبعد إلقاء التحية اليومية، لم يصدق ما سمع، إن مديره سينقل اليوم للترقية، وتم اختياره مديراً جديداً من بعده، إن هذا الخبر أقرب للمحال، وإن توقع قراءته سيقرأه إما فى باب صدق أولا تصدق، أو أغرب من الخيال، سبحان من يبدل أقدار البشر من حال إلى حال.
وها هو يوم جديد بحق، كل ما فيه جديد، الزوجة مازالت متسلطة ولكن سعيدة بالزيادة المتوقعة فى الماهية، والمرور مازال على حركته البطيئة جداً لكن شعور مختلف وهو ذاهب إلى عمله بالسيارة المخصصة للمدير، حجم الابتسامات اليومية فى وجهه تضاعف آلاف المرات، وهذا الذى كان لا يهتم بمعرفة اسمه تسابق لينال منه التحيات، ما أجمل أن تصبح محبوباً فى لحظة بعد أن كنت إنساناً ظن نفسه أنه مات.
وعند لقائه بزملائه شعر بشيء مختلف، اكتشف أن الكل يحبه وكثيرين توقعوا أمره، وأنه يستحق ما وصل إليه، ما بين ليلة وضحاها أصبح هو البطل الهمام، بعد أن كان بالأمس مقيد فى صمته يخشى الكلام، أصبح صوته نشيداً يحرص على سماعه الجميع قبل أن ينام، لقد كان بالأمس قليلة الحيلة أما اليوم أصبح القدوة وتاريخه ونضاله يتعلم منه أى إنسان.
لقد كان يسمعهم فى البداية وهو يضحك منهم سخرية، إن أدوارهم له مكشوفة، بذات الأصوات والنغمات النشاز، لكن الغريب أنه مع الوقت ألف تلك النغمات، وأحبها، هل كان يفتقدها؟ ما أجمل أن تجد كل ما فقدته فى حياتك يأتيك فجأة، الاهتمام والعزة، الكرامة والمكانة، الحب والحرص على رضاك، لم تنلهم عندما اجتهدت فى عملك، ولا بصبرك على علمك، ولا بإخلاصك وأخلاقك، ما أصعب أن تستحق كل ذلك فلا تنالهم إلا نفاقاً لهذا الكرسى، أن تختزل قيمتك كإنسان فيه، تفقد ثقتك فى علمك، وأخلاقك وشرفك، وطموحك وسعيك وتسخرهم جميعاً لخدمة هذا الكرسى، فى أرض النفاق، هل تحيا وحيداً بصدقك، أم تحيا فى خدمة الكرسى، هل العيب فينا أم فى الكرسى؟
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
عصام كرم الطوخى
شكراً جزيلاً
عدد الردود 0
بواسطة:
ايمان محمد البستانى
تحياتى اليكى استاذ محمود كرم الدين
عدد الردود 0
بواسطة:
وفاء التلاوى
لكل مجتهد نصيب
عدد الردود 0
بواسطة:
سحر الصيدلي
لا سعاده فوق حطام الأخرين
عدد الردود 0
بواسطة:
محمود كرم الدين محمود .. الكاتب
قمت بكتابة رد مستقل لكل تعليق وسأعيده لاحقاً
عدد الردود 0
بواسطة:
محمود كرم الدين محمود .. الكاتب
شكراً عصام كرم الطوخي
عدد الردود 0
بواسطة:
محمود كرم الدين محمود .. الكاتب
شكراً إيمان محمد البستاني
عدد الردود 0
بواسطة:
محمود كرم الدين محمود .. الكاتب
شكراً وفاء التلاوي
عدد الردود 0
بواسطة:
محمود كرم الدين محمود .. الكاتب
شكراً سحر الصيدلي
عدد الردود 0
بواسطة:
ولاء المصري
والمخفى أعظم