أفتخر بكونى مصريا، حتى قبل قيام الثورة، وأعشق هذا البلد منذ ميلادى، بكل ما فيها من المشاعر التى تعتصرنا، تلك المشاعر المختلطة بين الحزن والفرح، الألم والصحة، فهو بلدى ورفضت من أجله عروض عمل تصل لعشرات آلاف الريالات لأنه بلدى التى حفظت أمجاده وآلامه عن ظهر قلب من سبعة آلاف عام حتى يومنا هذا منذ أول معاهدة سلام فى التاريخ بين رمسيس الثانى والحيثيين مروراً بانتصارات أحمس ونزول المسيح عليه السلام وسيدنا يوسف لمصر وتمجيد المولى عز وجل لها بذكرها فى كتابه المحفوظ القرآن الكريم وسنة رسوله محمد، صلى الله عليه وسلم، واضطهاد الرومان للمسحيين المصريين ودخول الإسلام مصر وانتصارات المسلمين على الصليبيين والتتار بمعرفة الجيش المصرى وصولاً بحروب التحرير العربية التى شارك فيها الجيش المصرى وهزيمة 1967 والاستنزاف وحرب أكتوبر التى سجلت بطولات حقيقة يرويها التاريخ ويحكيها ألد أعدائنا وغيرها من الأمجاد فى البطولات الرياضية على مستوى أفريقيا أو العالم أو الأولمبياد أو العلمية وجوائز نوبل والأزمات التى مرت بها البلد فى الماضى والحاضر من احتلال وانتشار أوبئة والزلازل والسيول والنوبة ونهر النيل والعبارة السلام وقطار الصعيد وغيرها من الأزمات والأمجاد التى لا حصر حتى وإن كانت قليلة إلا أننى أراها كفرحة الأب بميلاد ابنه فهو ليس أول ولا أول ابن لكن فرحته به وكذلك حزنه عليه إذا أصابه مكروه لا يقارن بشىء، فهذه هى علاقتى ببلدى.
هناك الملايين الذين يعشقونه مثلى أو أكثر إلا أننى كمصرى أعتقد أن العمل فى هذه اللحظات أفضل بكثير من الاعتصام والتظاهر، فقد يكون الاعتصام محموداً فى وقت ما لكننى لا أعتقد أنه هذا الوقت، فالثورة لم تقم لأغراض شخصية أو فئوية بل قامت لأجل مصر بجميع طوائفها وأحزابها مسلم ومسيحى، ليبرالى ومتدين، غنى وفقير، متعلم وجاهل، صحيح وعليل، إنها لمصر كلها فلا يصح أن تطغى فئة بمطالبها على مطالب فئة أخرى أو أن تزايد عليها فى الوطنية، فالكل عانى من ويلات النظام القديم سواء أمنياً أو اجتماعياً أو اقتصادياً ولم يسلم منه أحد، وشخصياً تحولت من وكيل نيابة إلى محام – وأحمد الله - بسبب تقرير ضابط أمن دولة أننى دائم الصلاة بالمساجد، إلا أننى مع هذا الظلم الذى رأيته بعينى وأعين غيرى من الملايين لم أخرب ولم أكسر ولم أعتدى على أحد ولم ولن أتوقف عن العمل، لأننا بالعمل سنتقدم وسنحافظ على دم الشهداء وستكون ثورتنا مجيدة لا بغيضة، فلا أظن أن الشهيد الحقيقى الذى بلغ أعلى درجات الجنة بأذن الله سينتظر القصاص ممن قتله فرسول الله، صلى الله عليه وسلم، لم يفعل ذلك مع من قتل عمه حمزة سيد شهداء أهل الجنة، ولا أقول أن نعفو عنهم بل يجب معاقبتهم بكل قسوة، ولكن لا نوقف حياتنا انتظاراً لتلك العقوبة بل علينا أن نعمل حتى لا يضيع دم الشهداء.
