جهاز "مباحث أمن الدولة"، ذلك الاسم الذى كان بمثابة "البُعبع" لجميع المصريين على مدار 30 عاما، فى عهد النظام المخلوع، حيث رحل الاثنان، ولم يتركا سوى ذكريات مؤلمة نتذكرهما بها.
اتهمنا الجهاز كثيراً باضطهاد وإذلال وقهر وتعذيب المصريين، ولم نكذب أو نتجنى عليه، ولكننا أنكرنا أيضاً تاريخ الجهاز فيما قبل العهد المنكوب الذى ظل يحكم مصر 30 عاما، وخرجنا منه بلا ثقافة أو اقتصاد أو سياسية أو أمن أو حياة كريمة يمكن أن يحيا فيها المصريون، فهل حاولنا البحث فى تاريخ هذا الجهاز قبل العهد السابق المخلوع؟.
نعم، حاولت البحث فى هذا التاريخ، ليس رغبة منى فى الدفاع عنه، ولكن رغبة منى فى التوصل لما قد يشفع له، أو بمعنى أدق، ما يؤكد لى أن هذا الجهاز كان أيضاً ضحية النظام المخلوع، مثله مثل جميع المصريين، فقد كان شبيها "بأسد الغابة الذى تكون مهمته حماية كل من فى المملكة، ولكن تدخلت قوة أخرى لتحوله إلى وحش تستخدمه فى انتهاك حقوق كل من حوله، فلم يكن مصدر الحماية بل كان مصدر التهديد".
وسعدت مثلى مثل جميع المصريين بخبر حل هذا الجهاز فى 15 مارس 2011، وهو القرار الذى كان ضمن إنجازات الثورة، نظراً للدور المفزع الذى كان يقوم به الجهاز ضد الشعب المصرى، دفاعاً عن النظام الفاسد، ولكن إحقاقا للحق، فلا يمكننى تجاهل الدور الذى قام به الجهاز فى عهد ما قبل عهد النظام المخلوع، وذلك لحماية أمن الدولة من مخاطر الإرهاب.
ففى عام 1913 تم إنشاء جهاز للأمن السياسى، لتتبع المصريين الوطنيين ممن يقاومون الاحتلال الإنجليزى، وبعد عام 1936 تكون منه القلم السياسى، وبعد ثورة يوليو 1952، أُلغى هذا الجهاز، ليتشكل جهاز عُرف "بالمباحث العامة" ثم "مباحث أمن الدولة" فى عهد الرئيس السادات، وأخيراً "جهاز أمن الدولة"، وإذا بحثنا فى تاريخه خلال عقدى السبعينيات والثمانينيات بالتحديد، نجد أنه الجهاز الأقوى الذى تصدى للعمليات الإرهابية التى كانت تُنفذ فى مصر خلال هذين العقدين، بل ونجح "جهاز أمن الدولة" نجاحا باهرا فى القضاء على الإرهاب نهائياً، وعلى من يقومون به فى مصر، وتلك كانت أبرز مهامه، وهى محاربة الإرهاب لحماية أمن الدولة... فما الذى أدى بهذا الجهاز للتحول عن مهامه الأساسية إلى مهام أخرى غير شريفة ولا تدخل فى نطاق عمله؟.
إنه النظام السابق الذى حول "جهاز أمن الدولة" إلى "جهاز أمن النظام ووريثه"، وتجاهل مهامه الأساسية، بل وعمل على تدريب ضباطه على المهام الجديدة، غير المشرفة بالمرة، والتى قضت على سمعة الجهاز وتاريخه، ومن أبرز المهام غير المشرفة، التنصت على جميع المصريين، خاصة الشخصيات المعروفة فى جميع المجالات، وتلفيق التهم إلى الشخصيات المًستهدفة من جانب النظام للقضاء عليها، وتنفيذ الاغتيال السياسى لمعارضى النظام، بل والقبض عليهم وسحلهم، وتعذيب المواطنين الأبرياء، والتدخل فى تعيين رؤساء الجامعات وأساتذتها، والتدخل فى انتخابات اتحادات الطلاب، وتعيين رؤساء الصحف القومية وقيادات غالبية المؤسسات الحكومية، وإذا نظرت إلى هذه المهام، فلا يمكننى الربط بينها وبين أمن الدولة نهائياً، بل يمكننى الربط بينها وبين أمن النظام السابق.
فعاش "جهاز أمن الدولة" فى عصر الظلم والفساد والطغيان الذى عاش فيه جميع المصريين، ولم يتمكن من الخلاص منه، بل عمل على حمايته وأصبح خادما لرموزه، فلم يعد جهازا لحماية أمن الدولة من الإرهاب الذى يحاول زعزعة استقرار الدولة، بل أصبح جهازا لحماية النظام من المعارضة التى تحاول زعزعة استقراره فى الحكم، فنتج عن ذلك جهاز يحمى الخطر (الفساد والفاسدين) الذى يهدد الدولة، حتى قامت الثورة لوضع نهايته، وسقط الجهاز بسقوط النظام، وكان سقوطه أحد أبرز المطالب التى أصر عليها ثوار 25 يناير.
لم أقصد من حديثى الدفاع عن هذا الجهاز، بلى، ولكنى أردت الرجوع إلى تاريخه لمعرفة المُذنب الحقيقى وراء الإخلال بالمهام الأساسية لجهاز أمن الدولة، إنه الفاعل المتهم بتشويه دور الجهاز وتخريب ركن من أركان القوى المدافعة عن أمن البلد، وتحويلها إلى قوة غاشمة متغولة فى وجه المصريين الغلابة، وفى وجه خصوم النظام.
لابد أن تكون هذه قضية جديدة تُضاف لقائمة التهم المنسوبة إلى كل من رأس النظام السابق، ووزيرالداخلية الأسبق حبيب العادلى، فلابد من اتهامهم بتخريب جهاز أمن الدولة، والعمل على انحراف دوره وتوجيهه إلى انتهاك حقوق المصريين، ولعل الجميع يتذكر آخر ضحايا الجهاز، وهو المواطن المصرى سيد بلال الذى مات نتيجة التعذيب بالوسائل البربرية التى كانت تستخدم فى هذا الجهاز ضد المواطنين الأبرياء، بل إن الأفظع من ذلك هو كون هذا المواطن بريئا أساسا من تهمة التخطيط لتفجيركنيسة القديسين.
إذاً فإنه لابد من محاسبة ومحاكمة المسئول عن إزهاق حياة كثير من المواطنين المصريين الأبرياء بالتعذيب داخل هذا الجهاز، والمسئول عن الإخلال بدور الجهاز وتحويله من حماية أمن الدولة إلى التجسس على المصريين، وكأنهم أعداء الدولة، والمسئول عن ترسيخ ثقافة الرعب والخوف لدى المصريين تجاه أى جهاز أمنى، وفقد الثقة فى كونه أداة لأمنهم وحمايتهم من الأخطار، بل أصبح هو الخطر نفسه، إنه النظام السابق برأس سلطته ورموزه السياسية والأمنية، فلا بد من محاكمتهم على ذلك.
شهرت وهبة تكتب: حاكموا المسئول عن تحويل جهاز "أمن الدولة" إلى "أمن النظام"
الإثنين، 18 يوليو 2011 09:29 م