سمير العركى

اليسار المصرى وأزمة البقاء

الإثنين، 18 يوليو 2011 04:09 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لم تكن ثورة 25 يناير بالنسبة لليسار المصرى إلا لحظة كاشفة عن عمق الأزمة التى يحياها اليسار فى مصر والتى لم تكن وليدة اليوم ولا الأمس، بقدر ما كانت تراكمًا لفعل سنوات طويلة. ظلت مصر ما قبل 25 يناير بيئة مواتية لليسار المصرى للهروب من استحقاقات واجبة وتساؤلات مشروعة.. إذ مثلت البيئة السلطوية الضاغطة ملاذًا آمنًا لليسار للهروب من استحقاقات السؤال الأهم حول المشروع اليسارى من حيث الفكرة النظرية وآليات التطبيق العملى ومضامين الخطاب السياسى.

كان اليسار بوسعه أن يكون أحد الروافع الجيدة للعمل السياسى فى مصر ولكنه تقاعد عن هذه المهمة لحساب مهام أخرى أثرت عليه سلبًا وجرته للخلف.. والتى أرى أن أسبابها الرئيسية تكمن فى الآتى:

ارتماء اليسار فى أحضان السلطة، اللهم إلا القليل الذين احتفظوا لأنفسهم بمسافة مناسبة بعيدًا عن السلطة الحاكمة، وقد بدأ هذا الارتماء بداية من ستينيات القرن الماضى إثر التحالف الشهير بين اليسار النظام الناصرى والذى من خلاله بدأ اليسار يتماهى فى المشروع الناصرى، معطلاً كل قدراته الفكرية والحركية، وإذا كان عصر السادات قد شهد توترًا ملحوظًا ما بين اليسار والسلطة الحاكمة فإن عصر مبارك سرعان ما شهد هرولة يسارية للارتماء فى أحضان السلطة، ويكفى أن نشير هنا إلى الدور الذى قام به وزير الثقافة الأسبق فاروق حسنى فى تدجين اليسار بإدخاله إلى «الحظيرة» واستخدام جوائز الدولة فى إتمام مهمة التدجين. هذا الارتماء دفع اليسار ثمنه غاليًا من نقائه الثورى وبراءته التقدمية التى أصبحت محل تشكيك من كثيرين.

عجز اليسار عن إنتاج «خطاب» متصالح مع معتقد المجتمع وقيمه وثوابته وإصراره على احتضان جميع النماذج المتصادمة مع عقيدة الأمة وثوابتها، بل العمل على ترويج منتجها الثقافى على حساب دافعى الضرائب المصريين والإغداق عليها بالمنح والعطايا.. كل هذا أدى إلى تحويل الخطاب اليسارى إلى خطاب «نخبوى» منغلق، بعد أن كان خطابًا ملتحمًا بالعمق الجماهيرى ومتماسّا مع قضاياه وهمومه.

عدم قدرة اليسار على إجراء مراجعات حقيقية تشمل مسيرته الفكرية والحركية لاكتشاف مواطن العطب ومواضع الخلل.

خلو ساحة اليسار الفكرية من قامات فكرية تشرئب إليها الأعناق من عينة محمد سيد أحمد، ومحمد عودة، ونبيل الهلالى... إلخ.

حالة التحول التى شهدها اليسار مع سقوط الاتحاد السوفيتى والتى رأينا من خلالها وجوهًا يسارية عتيقة تخلع ثوبها اليسارى بلا حياء وترتدى ثوب «الليبرالية» ولا تجد غضاضة فى الحديث عن «الحريات» وبنيتها الفكرية وممارستها العملية راسخة القدم فى الإقصاء السياسى، فكنا أمام مشهد عبثى مشوه لم نستطع هضمه أو تمريره.

ارتكان الكثير من قيادات اليسار على حائط السلطة دون الاهتمام بالنزول إلى الجماهير ومعايشة همومهم وقضاياهم وتعرُّف موطن «الوجع»، والمفارقة العجيبة أن يتحول اليسار من تيار متداخل فى المجتمع وطبقته العمالية وشريحته الوسطى إلى تيار مستعلٍ بخطابه على الجماهير حتى فقد مناطق التأييد التاريخية فى الأوساط العمالية والطلابية.

ومن هنا فإن قدرة اليسار على البقاء تتوقف على قدرته على إحداث حالة من «المراجعات» الأمينة والصادقة بعد أن تآكلت أجزاء كثيرة من مشروعه ودخول قوى أخرى على ذات الخط السياسى المميز، فلم يعد مفهوم «العدالة الاجتماعية» وقفًا عليه، بل ظهرت أحزاب على مرجعية إسلامية تنازعه ذات المفهوم وتتبنى جزءًا مهمّا من خطابه. فهل يصمد اليسار أمام تحدى البقاء أم يخلى الساحة طواعية للقوى السياسية التقليدية والصاعدة؟





مشاركة




التعليقات 10

عدد الردود 0

بواسطة:

بيشوى

الازمة فى اليمين يا حلو

لانه اعتاد العمل فى الظلام

و النور بيتعبه

عدد الردود 0

بواسطة:

عادل كمال

أقطع ذراعى!!

عدد الردود 0

بواسطة:

أبو جراح

اكثر من رائع

مقال ممتاز
وتحليل رائع

عدد الردود 0

بواسطة:

قديم أوى

المصرى الحقيقى ليس طفلا أو أعمى أو مقبوضا عليه .

عدد الردود 0

بواسطة:

قديم أوى

المصرى الحقيقى ليس طفلا أو أعمى أو مقبوضا عليه .

عدد الردود 0

بواسطة:

قديم أوى

المصرى الحقيقى ليس طفلا أو أعمى أو مقبوضا عليه .

عدد الردود 0

بواسطة:

الشعب مصدر السلطات

وماذا فعل اليمين طوال الثلاثون عاما الماضيه - هل كان يتدرب غلى قفز الحواجز

بدون

عدد الردود 0

بواسطة:

الشعب مصدر السلطات

وماذا فعل اليمين طوال الثلاثون عاما الماضيه - هل كان يتدرب غلى قفز الحواجز

بدون

عدد الردود 0

بواسطة:

الشعب مصدر السلطات

وماذا فعل اليمين طوال الثلاثون عاما الماضيه - هل كان يتدرب غلى قفز الحواجز

بدون

عدد الردود 0

بواسطة:

اشرف

نصيحة

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة