لن أتحدث هنا عن صباع الواد محروس بتاع الوزير ولن أتحدث هنا عن صباع شخص بعينه، ولكن أريد أن ألقى الضوء على جميع الأصابع المتواجدة على الساحة، أود أن أتحدث عن قوة أصابع الشعب فى مواجهة كل من يفكر فى الوقوف ضد إرادته.
لقد تناست بعض القوى أنه منذ ستة أشهر أطاح هذا الشعب بنظام كان يستحيل الإطاحة به قد توهمت بعض القوى أن هذا الشعب قد خفت ضوؤه وأن هذه الحناجر الثائرة سوف يأتى اليوم الذى تكل فيه أو تمل ومن ثم تفرط فى حقها وحق الدماء التى سالت من أجلها، لقد تناست بعض القوى السياسية أن هذا الشعب قد منحها فرصة للحياة من جديد بعد أن دهستها جحافل قوات أمن النظام السابق بعد أن ماتت إكلينيكياً فى المعامل التى بناها النظام السابق من أجلهم لكى يعد بعض المعارضين المدجنين، قد توهم البعض أن الثورة قد انتهت، ولكن الثوار يعون تماماً أن الطريق مازال طويلا، يعون أن الطريق شاق ويحتاج إلى الصبر والمصابرة من أجل بناء وطن ديمقراطى حر يليق بشعب عظيم كشعب مصر.
إننى أتعجب وبشدة من موقف المجلس العسكرى ورئيس الوزراء عصام شرف أتعجب من صمته المستفز وكلامه المحبط، أتعجب من طريقة إدارته لهذه المرحلة البالغة الخطوة فى تاريخ مصر الثورة، أتعجب من التباطؤ فى تناول المشكلات وعدم الاهتمام بمطالب وحناجر الثوار، إن السيد رئيس الوزراء والمجلس العسكرى يتعاملون مع الشعب على أن هذا الشعب لم يقم بثورة ضد نظام قديم ويود بناء نظام يحقق طموحاته وأحلامه فى مستقبل مشرق، شعب ضحى بأكثر من ألف شهيد وأكثر من عشرة آلاف جريح وأكثر من ألف مفقود إننا أمام وضع خطير ولا يجوز التعامل معه بأى حال من الأحوال بهذا القدر من اللامبالاة.
عندما خرج اللواء الفنجرى فور خلع حسنى مبارك وقام بتقديم التحية العسكرية للشهداء، شعر الشعب بثمة الاختلاف بين طريقة مبارك فى التعامل مع الشهداء وبين المجلس عندما رأيت اللواء الفنجرى يقدم التحية للشهداء، شعرت أن المجلس يعى قيمة وثمن الدماء التى سالت من أجل الحرية والعدالة والعدل، أحببنا اللواء الفنجرى لأنه احترم الشعب وقدره ومن فرط اعتزازهم بما فعله الرجل قاموا بتعليق اللافتات التى تحمل صورا له وهو يؤدى التحية للشهداء ورأيت بعض الأعلام التى طبعت عليها هذه الصورة لقد وضع الشعب صورة الرجل على رمز الدولة- وأنا ضد هذا وبشدة فلا يجوز وضع صورة أى شخص مهما كان على علم مصر- وللأسف الشديد رد اللواء الفنجرى والمجلس العسكرى على كل الحب والتقدير بالتهديد والوعيد فى البيان الأخير، ومنذ هذا البيان فقد اللواء الفنجرى شعبيته وحبه فى قلوب الثوار وهذا بالضبط ما حدث مع المجلس العسكرى والدكتور عصام شرف، فبعدما أعطى الشعب المصرى الحب والتقدير والثقة للمجلس العسكرى رد المجلس على كل هذا الحب بتباطؤ فى محاكمة قتلة الثوار رد بعدم العدالة والعدل فى التعامل مع رموز النظام السابق رد بعدم تحقيق مطالب الثوار فلم يقدم المجلس ولا رئيس الوزراء أى خطوات جادة تجاه إقامة دولة ديمقراطية حرة، لم يقم المجلس ورئيس الوزراء بتقديم إصلاحات حقيقية تجاه بناء وطن قوى شامخ وطن متقدم اقتصادياً وصناعياً وزراعياً، لم يقم المجلس بتقديم خطوات جادة نحو العبور من المرحلة الانتقالية إلى مرحلة البناء، بل قام بخطوات نحو الرجوع إلى النظام السابق والعهد البائد.
أعترف هنا أننى كنت مخطئا خطأ شديدا عندما كتبت فى تدوينة لى فور خلع مبارك أننا على أعتاب عصر جديد ولابد أن نتكاتف من أجل البناء، الخطأ ليس فى التكاتف ولكن الخطأ هو وقت البناء فقد كنت أتوهم أن وقت البناء قد حان، ولكن الحقيقة لن نستطيع البناء على بقايا نظام سابق فلابد أولاً أن نزيل كل عقبات وبقايا النظام السابق، ومن ثم تحديد خطوات وخطى البناء، وبعد ذلك نتكاتف ونضحى لكى نبنى، أما الآن فكل ما يبنى سيهدم على رؤوس من قاموا بالبناء، لأن ببساطة هناك اعوجاج شديد فى أرض البناء ولم تقم ببسط الأرض بطريقة جيدة واجب علينا أن نقف شامخين فى كل ميادين مصر، مطالبين بالتطهير، مطالبين بمحاكمات عادلة، مطالبين بحق الشهداء مطالبين بالعدل والكرامة فهذا من حقنا فلقد دفعنا الكثير ومستعدون لدفع الأكثر ولكن كل هذا مرهون ببناء وطن يحقق كل تطلعاتنا فى المستقبل.
لقد أنهيت ما أود أن أقوله بشأن عدم الاهتمام بمطالب الثوار من قبل المجلسين، وتبقى أمران فى منتهى الأهمية الأول متعلق بعدم دعم بعض القوى السياسية لمطالب الثوار وعدم اشتراكهم فى الاعتصامات والتظاهرات، كل ما أود أن أقوله لهم إن ما أنتم فيه الآن الفضل الأول والأخير فيه أرواح الشهداء ودماء المصابين، ما أنتم فيه الآن هو نتاج ثورة شعب زأر من أجل حريته، إن من فى الميادين لا يبحثون عن كراسى داخل قبة البرلمان ولا يبحثون عن كرسى للرئاسة فقط، كل ما يشغلهم أرواح ودماء الشهداء والمصابين ومحاكمة عادلة لرموز الفساد لنجتمع جميعاً يداً واحدة قبل أن يفوت الوقت وتتحولوا إلى قوى سياسية يرفضها ويمقتها الشعب ويكون حالكم كما حال الحزب الوطنى المنحل فى مزبلة التاريخ فاستقيموا يرحمكم الله.
أما الأمر الثانى فهو جريمة تزوير التاريخ، إن الكثير من الإعلاميين والمثقفين والكتاب يطلقون على حسنى مبارك لقب الرئيس السابق فهذا غلط شديد ولا يجوز أن نقع فيه، حسنى مبارك لم ولن يكون رئيسا سابقا فهو رئيس مخلوع، حسنى مبارك لم ينه مدة توليه للرئاسة حتى نطلق عليه رئيسا سابقا فليس من الإنصاف بأى حال من الأحوال أن يوضع اسم حسنى مبارك بجوار محمد نجيب أو جمال عبد الناصر أو السادات، إن هؤلاء بالرغم من اتفاق البعض أو اختلافه معهم، فهم رؤساء سابقون لمصر قدموا لها بعض التضحيات قاموا ببعض الإنجازات، عليهم بعض المآخذ، ولكن من الظلم أن نضع اسم حسنى مبارك بجوارهم، فالتاريخ أمانة فى أيدينا ونحن الآن حراس على هذا التاريخ، إن حسنى مبارك قد ظلم وفسد وأفسد وقتل وقمع شعبا بأكمله جعل البعض يكره هذه البلد وجعل الكثير من أبنائه يغادر الوطن خوفا من جحافل نظامه القمعى، إنه جعل الأمراض تستوطن فى أجساد الفقراء وجعل زبانيته يتاجرون فى أمراض وأوجاع هذا الشعب فسيظل حسنى مبارك رئيس مخلوع رغم أنف كل من يدعى غير ذلك وستظل الثورة تنبض بالحرية رغم أنف الجميع.
