يوافق اليوم، الأحد 17 يوليو، الذكرى الـ33 لانفراد الرئيس اليمنى على عبد الله صالح بمقاليد الرئاسة فى اليمن منذ عام 1978 قبل أن يصبح زعيماً لليمن الموحد فى عام 1990 بعد اغتيال رئيسين خلال عام واحد، وهما الرئيس إبراهيم الحمدى وخلفه الرئيس حسين الغشمى، وبعد فترة انقلابات شهدتها البلاد عقب ثورة سبتمبر 1962 التى أطاحت بالملكية وجاءت بالنظام الجمهورى وتولى الرئيس عبد الله السلال رئاسة أول جمهورية، وانقلب عليه عبد الرحمن الإريانى، لينقلب بدوره عليه إبراهيم الحمدى، ثم استمر قرابة 3 سنوات، وتم اغتياله، ثم اغتيال خلفه حسين الغشمى بعد توليه بأقل من عام.
بالطبع لم يمر هذا اليوم على الرئيس على عبد الله صالح مرور الكرام، فصالح يحتفل اليوم بتلك الذكرى وسط الأطباء والعمليات الجراحية التى تجرى له فى السعودية بعد محاولة الاغتيال التى تعرض لها فى عقر داره مطلع شهر يونيو المنقضى بعبوة ناسفة أحرقت نيرانها جسده وأفقدته مظهره الربانى، ولعل ما حدث كان نتيجة طبيعية لحاكم لم يمثل لحظة لإرادة شعبة لترك الحكم وبدء حياة جديدة فرضها عليهم ربيع الثورات العربية.
كانت ثورتى مصر وتونس نموذجين يحتذى بهما فى تاريخ الثورات العربية، على عكس باقى الدول العربية التى اجتاحتها الثورات مثل اليمن وليبيا وسوريا، فخرج زين العابدين من الحكم بسلام وكذلك الرئيس المصرى السابق حسنى مبارك، ثم جاء على صالح ليقدم نموذجاً جديداً للحاكم المتشبث بالحكم رغم أنف شعبه ليثبت أن لا إرادة فوق إرادة الشعوب ولا قوة فوق قوة الحق.
ولكن السؤال الذى يطرح نفسه فى هذا التوقيت الشائك، ماذا قدم صالح لليمن منذ توليه مقاليد الرئاسة؟
أسس على صالح فى عهده ما يسمى بمصلحة القبائل ولها ميزانية خاصة مستقلة مقابل تعاونهم مع تثبيت الحكم بغض النظر عما يقومون به من الاستهتار بالدولة وعدم الانصياع لسلطة النظام والقانون، ولعل حادثة قيام أحد كبار مشايخ اليمن محمد أحمد منصور بطرد أكثر من عشرين ألف نسمة من سكان منطقته بسبب رفضهم دفع الأتوات الشهرية مازالت تخيم بظلالها على ذاكرة اليمنيين.
كم اضطربت تركيبة المجتمع فى اليمن ونشأت خلال حكم الرئيس صالح طبقات مختلفة بفعل غياب القانون واستبداله بالعادات القبلية، وأصبح من النادر جداً تنفيذ القصاص الشرعى فى القاتل بسبب الفساد المستشرى فى القضاء الذى يقف من ورائه التدخلات المستمرة من قبل أركان الحكم فى اليمن وأصبح القضاة قبل أن يصدرون أى حكم شرعى فى قضية ما يستفسرون عن أقارب المتهم وماهيتهم.
وفى عهده أيضاً تفاقمت ظاهرة الثأر رغم الوعود الرنانة التى أطلقها الرئيس صالح من أجل القضاء عليها فى أكثر من مناسبة. كما انتشرت ظاهرة حمل السلاح بين المواطنين وأصبح معدل امتلاك الفرد فى اليمن للسلاح ما يساوى ثلاث قطع بينها الرشاشات والقذائف وصواريخ أرض أرض!
نقطة أخرى وهى أن اليمن فى عهد على صالح كانت تدار من قبل أشخاص لا من مؤسسات متخصصة حتى الوزارات فى اليمن والوزراء والقادة العسكريون ليسوا إلا من باب الشكل والمظهر ولا تمنح لهم أى صلاحية فى القيام بأى من برامجهم وتوجهاتهم فى تطوير ونهوض الوزارات والمؤسسات ولا يزال الشارع السياسى فى اليمن يتذكر نفى وزير الخارجية اليمنى ذات مرة لزيارة وزير الداخلية السعودى لليمن.
من جهة أخرى، يقول الباحث السياسى عبد الناصر المودع إن ما يحسب لعلى عبد الله صالح من باب سياسى هو أنه "تمكن من الاستمرار وهذا بحد ذاته يعتبر كفاءة سياسية فى علم السياسة، بغض النظر عن نتائج هذا الاستمرار على الدولة التى تحكمها، لكن على صالح كان مثالاً للسياسى البارع".
وتابع: "استطاع صالح أن يثبت حكمه، ويحاول إبعاد خصومه بقدر الإمكان بوسائل كثيرة، وأسلوبه فى ذلك يرتكز على المال فى شراء الخصوم وإبقاء الموالين، وحسنة كبيرة له أنه لم يكن ذاك الشخص الدموى بشكل عام، ولا نقول إنه ذاك البرئ، لكنه لم يكن دمويًا قياسًا إلى الظروف والأوضاع التى عاشها فى اليمن".
ورأى المودع، أن "الآلية التى استخدمها صالح كان بالضرورة أن تصل إلى طريق مسدود، وهو الحاصل اليوم من خلال فقدانه لحلفائه السابقين من على محسن إلى عائلة الشيخ عبدالله الأحمر وغيرهم، لأنه لا يمكنك أن تشترى الناس إلى مالا نهاية أو أن تبقيهم شركاء أيضًا، لأن الشراكة فى السلطة هى أساسًا شراكة نسبية".
