لن يدرك كثير من سكان العشوائيات أنهم يقطنون مساكن فاخرة يحلم بها غيرهم إلا حين تطأ أقدامهم شارع السيدة زينب بمنطقة الدويقة، ولن يكفوا عن الشكوى والصراخ إلا حين تحاصرهم كل منغصات الحياة التى اجتمعت على ساكنى هذا الشارع.
فى منطقة "الوحايد" بالدويقة، شارع يحمل اسم السيدة زينب، توقف به الزمن فلم تصله رياح الثورة أو نسيمها، وتحجرت عنده قلوب البشر فلم تعرف رحمة بساكنين قتلهم الفقر والمرض وظلم المجتمع.
ثلاثة أمتار تصعدهم فى مدخل الشارع الذى لا يتسع لعبور أكثر من شخصين، تطأ قدمك على مياه صرف صحى اعتادها السكان واعتادتهم فأنبتت أوراقًا خضراء، ولامسوها هم بأقدامهم غير مبالين بأمراض أو أوبئة بعدما يئسوا من إمكانية تدخل رئاسة الحى لإنقاذهم من خطورتها.
تقف على أبواب المنازل نساء يؤملن أنفسهن بزائرٍ يحمل بشرى الرحيل إلى منطقة أخرى مجاورة يستشعرون فيها آدميتهم ويحافظون فيها على مصدر رزقهم.
تقول منى، إحدى ساكنات شارع السيدة زينب: "العيشة هنا صعبة جدًا، الزبالة فى كل مكان، وناس كثير من مساكن بعيد بتيجى بترمى زبالتها فى الجبل ورانا، والصرف الصحى مبهدل الشارع لكن رغم كده صعب جدًا أننا نروح 6 أكتوبر أو النهضة زى ما الحكومة ناوية لأن الحياة هناك غالية علينا أوى، مش عايزين حاجة غير أن الناس تساعدنا حتى لو هانعيش هنا لحد ما نموت".
"طأطأ رأسك وأحنِ ظهرك" كانت نصيحة امرأة أربعينية أخرى قبل الدخول إلى غرفتها التى تعانى، هى وغيرها، من تسرب المياة الجوفية من الجبل المتاخم.. داخل الغرفة تنتشر المياه برائحة كريهة، وتؤثر على الجدران التى تآكلت وأوشكت على الانهيار.
وخارج الغرفة، صوت شاب عشرينى يشكو من العقارب التى تزحف ليل نهار على المنطقة وتهدد سكانها خاصة الأطفال الصغار.
فى مؤخرة الشارع، المبنية أغلب بيوته بالطوب الأحمر، عقار طويل يحمل "رقم 18" تسكنه 24 أسرة فى خمسة طوابق، وهو رغم ضخامته مصدر إزعاج لساكنيه وجيرانهم، فالمنطقة تتعرض لهزات متتالية لا يعلم أحد مصدرها، والسكان يخشون سقوطه، ويدخلون فى مشاكل وخلافات يوميه مع مالكه الحاج عبدالله الذى يسكن معهم فى العقار ذاته، ويطالبونه بترميمه أو الرحيل عنه إلى مسكن آخر آمن.
إضافة إلى كل ما سبق، يعانى سكان الشارع من حالات اختناق متعددة بسبب قيام سكان المناطق المجاورة بحرق القمامة فى الجبل المتواجد خلفهم وأمام مدخل الشارع، وهو ما دفع بعضهم إلى السير وفى يده "بخاخة".
قبل الخروج من شارع السيدة زينب والعودة إلى نعيم "عشوائيات الدويقة" تساءلت امرأة طاعنة فى السن: "هاتسيبونا لمين يا ولاد، ما حدش بيعمل لنا حاجه خالص فى البلد دي، ارحمونا بقى".









