كان الشاعر مرسى جميل عزيز من أشد شعراء الأغنية فى مصر خصوبة وشجره وفير الثمر، لا توجد ثمرة واحدة معطوبة أو تالفة أو ضامرة، ولئن كان أبوه من أكابر تجار الفاكهة فى الزقازيق، فإن شعر مرسى كان حديقة فاكهة متنوعة الطعوم والغداقات، فوًّاحة الرائحة، أغنياته - لفرط تفردها فى التنوع - شكلت شخصيات الأصوات التى تغنت بها، ليس ثمة من مطرب أو مطربة إلا ولعبت كلمات مرسى دوراً مهما فى تصعيده، أما عبدالحليم ونجاة الصغيرة ووردة الجزائرية وشادية وصباح ومحرم فؤاد، ناهيك عن أم كلثوم، فلمرسى مع كل صوت منهم مراحل فنية متألقة حلقت بهم وبنا فى آفاق أرحب من المشاعر الإنسانية النقية، كل صوت من هذه الأصوات غنى من أشعار مرسى ما يصلح أن يكون ديوانا حافلاً بأشكال وألوان من المنظومات التى تعتبر فى نظمها تحفا فنية ثمينة، فضلاً على ما تحتويه من صور شعرية تُشخّص تجارب شعورية غنية أضيفت إلى رصيد الوجدان العربى.
وقد تميز مرسى جميل عزيز بأنه صاحب مشروع فنى اشتغل عليه بجميع ما كتبه من أغنيات، ألا وهو تشريع حق الحب للفتاة المصرية، بادئاً بتطهر معنى الحب من ذلك الهيام الرومانسى، ومن المعطيات الرخيصة للجسد، ومن أمراض الذل والهوان واستعذاب الألم فى هوى محبوب متحجر القلب، فإذا الحب عنده مشاعر واقعية صرفة، تتجلى فيها حرارة الصدق ممزوجة بمشاعر العزة والكبرياء، حيث الحب قيمة إنسانية تكرس للأمل فى غد مشرق فى ظل أسرة يصبح بيتها هو بيت العز يا بيتنا، إن غادرته العروس إلى بيتها الجديد تظل طول حياتها تشهد يابيت أبويا معزتك فى عينيه ما شفت منك غير ليالى هنية، سعادة العروس بالزواج من حبيبها لا تقدر بمال: السعد لما سمع وفات فى حارتنا سألنى فين الفرح وصفت له بيتنا، الله ياليل الله.. ويااللى ظلمتوا الحب وقلتوا عليه قلتوا عليه مش عارف إيه، العيب فيكم يافى حبايبكم أما الحب يا عينى عليه.. وذلك مشروع فنى يحتاج لكتاب يدرس عبقرية هذا الشاعر الفذ حقا بدون أدنى مبالغة.
من حسن حظى أن اقتربت منه عن كثب أثناء إقامته وإقامتى فى الإسكندرية، فكان أخا وأبا ومعلما وصديقاً.. كنت ألاحظ أن مذاهب الأغنيات تهبط عليه بغزارة من حيث لا يقصد أو أحيانا لا يريد، فإن راقه مذهب جعل يردده لنفسه ولأصدقائه عدة أيام، ثم يستعصى عليه إكماله فيركنه، قائلا إذا سألته عنه: وجدته أشبه بحارة سد.. غير أننا بعد حين يقصر أو يطول قد نفاجأ بالنص الكامل للأغنية منشوراً فى الصحف، وأن بليغ حمدى أو الموجى قد لحنه بالفعل لعبد الحليم أو نجاة أو شادية.
فى واحدة من سهراته فى بيت صديقه الحميم المطرب فايد محمد فايد، عليه رحمة الله، جاء أحد رواد السهرة متأخرا فلما جلس قال لمرسى منذ حوالى شهرين أسمعتنى مذهبا يقول كذا وكذا، قال مرسى: نعم لكنى ركنته لجفافه، قال الضيف: أنا قادم الآن من بيت الملحن فلان الفلانى وكان يسمعنا لحنا جديدا لأغنية بنفس مذهبك بحذافيره لمؤلف شاب جديد، شرد مرسى، ثم قال: أنا فعلاً أسمعت المذهب لهذا الملحن، فهذا إذًا عمل غير أخلاقى، ثم وقف منفعلاً: تعال نذهب إليه.
ذهبا إلى مسكن ذلك الملحن فى حى غيط العنب، وجدوا المؤلف الشاب لا يزال هناك، بعد التحيات الحارة طلب مرسى أن يستمع إلى اللحن الجديد، فسحب الملحن عوده وغنى اللحن، فلقى استحسانا كبيراً، ومع حلول الفجر ودعهم مرسى وانصرف، وفى الطريق سأله المؤلف أحمد طه النور: لقد تأكدت أن هذا الشاب سرق مذهبك، فلماذا لم تفتح فمك بكلمة احتجاج واحدة؟ قال مرسى بابتسامته العريضة المشرقة كوجه سلة الفاكهة: بصراحة لقد اختشيت وخجلت من نفسى، الولد أكمل المذهب أفضل مما كان يدور فى ذهنى مائة مرة! ثم أردف: هذا هو مذهبى فى الفن والحياة: الأرض لمن يزرعها، السلعة لمن يصنعها! الفكرة لمن يحضنها بقلبه حتى تفقس وتصير كائنا حياً، مثلما فعل هذا الولد!
عدد الردود 0
بواسطة:
مصرى محب للشعر
يا سلام
عدد الردود 0
بواسطة:
الفاشل
انا فاشل ...اكره الفاكهه
مش فاهم حاجة ..هو منين بيودى على فين
عدد الردود 0
بواسطة:
مــــانـــــدو
تصفيق حاد