معصوم مرزوق

قصة جيلين

السبت، 16 يوليو 2011 03:54 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
حدث ذلك قبل عام بالتمام والكمال، حين لخص صديقى الكلام من الآخر: «ما فيش فايدة».. رأيت أن هذا كلام المحبطين الجالسين على القهاوى يلعبون الطاولة ويشربون الحلبة الحصى.. إيه العبارة بالضبط؟.. صديقى المثقف جداً، الذى يكتب فى عدد من الصحف والمجلات، ويطل بوجهه المربع من عدة فضائيات عربية فى توقيت واحد تقريباً، يلخص العبارة كلها فى حكمته التى نال عنها درجة الدكتوراه فى منحة بجامعة أمريكية: «المسألة يا سيدى أننا فى مأزق تاريخى، صراع حضارات وخرم أوزون وخروم أخرى فى النسيج الاجتماعى، تدهور فى علاقات الإنتاج، ونهاية للدياليكتيك المادى، وصعود للخرافة والدجل».. وهذا الصديق ديمقراطى جداً ولذلك لا يقبل مناقشة أفكاره، ولعله لا يقبل أيضاً أن يفهمها أى شخص، وعلى كل حال هو يرى فى المجتمع المحيط مجرد مجموعة من المغفلين العاطلين عن أى موهبة، وأنه لولا الملامة لرحل من هذه الأرض القاحلة.. إلا أن الشاب خالد مرزوق يسخر من صديقى ويقول عنه إنه «راجل مسخرة» وأن «الزهايمر» أكل دماغه.. يرى خالد أن جيلنا الكهل سود الدنيا بدون مناسبة، ورغم أنه سيتخرج فى الجامعة بعد عامين، ويعرف أنه سينضم إلى صفوف العاطلين، لكنه لا يرى فى ذلك مدعاة للإحباط، لأن أباه «عم مرزوق» سوف يستمر فى دعمه والإنفاق عليه، وإلا لماذا خلفه فى المقام الأول، يقول ضاحكاً: «كل واحد لازم يدفع ثمن غلطته».. فهو دون أن يدرى يعتبر أن وجوده فى هذه الدنيا غلطة ارتكبها أبوه.. صديقى المثقف جداً ينظر للواقع بقرف، وللماضى باحتقار، وللمستقبل بيأس، ومع ذلك ففى محاضراته التى لا تنتهى يتحدث بشكل تحليلى عن إنجازات واختراقات فى كل المجالات، وهو لا يرى فى ذلك تناقضاً أو لا سمح الله نفاقاً، وإنما يقول فى ثقة يحسده الناس عليها إن واجبه كمثقف هو تجميل الواقع كى يبلع الناس المرارة محلاة ببعض قطع السكر التى ينثرها هنا وهناك، ثم يؤكد أن لا أحد يفهم فى الغالب، وأنه لا يهتم سوى بأولئك الذين يفهمون، ولذلك يحتفظ بموقعه الرفيع على رأس السلم الاجتماعى.. خالد مرزوق كان لا يعبأ بكل هذه المحاورات والمداورات، فهو مشغول بمتابعة الحوار على الكمبيوتر (الشات) مع الجيل الذى ينتمى إليه فى كل دول العالم، فى موضوعات لا تزيد عن آخر الأغنيات والأفلام، وأحدث موديلات السيارات وسباقاتها، وكذلك الألعاب الإلكترونية المذهلة.. إنه منعزل فى حجرته فى هذا العالم الافتراضى، ولا يهتم كثيراً بما يدور فى شارعه أو حتى فى منزل أسرته.. قال لى: أنا لست سلبيا يا «أونكل».. أنا نشيط فى «الألتراس» الأهلاوى، وشاركت فى تشجيع فريقنا القومى فى الاستاد، وأحصل على تقدير جيد فى كل سنة، وأحب زميلتى، ويمكن أتجوزها «عرفى» ونريح أهالينا من وجع الراس.. عاوزين إيه منى أكتر من كده؟!.. صديقى المثقف جداً يقول متأففاً: هذا جيل عدمى عبثى، نتاج أزمة اقتصادية واجتماعية أدت إلى سيادة ثقافة «البترو دولار»، والوجبات السريعة.. جيل بلا آباء، تافه، بلا قضية أو قيمة.. ولو كان الأمر بيدى لأمرت بتجنيدهم جميعاً فى الجيش ثلاث سنوات على الأقل.. أدهشنى رد خالد على ما قاله صديقى، فقد قال لى: «بصراحة كده.. صاحبك دا يا أونكل لاسع وعنده فيوز ضاربة.. وبصراحة أكتر أنا مش شايف أى لازمة للناس العواجيز.. مفروض هم اللى يتجندوا فى الجيش بدل ما هم قاعدين بلا شغلة ولا مشغلة، يتكلموا فى الفاضية والمليانة.. وعندما أبديت اعتراضى زاجراً، ضحك قائلاً: «بلاش أنت يا «أونكل»، لكن تقدر تقول لى كام واحد فى جيلكم يعرف يتعامل مع الكمبيوتر؟».. كان ذلك قبل عام مضى.. ولكننى منذ أسبوع كنت أتابع على إحدى الفضائيات صديقى المثقف وهو يتحدث حين اتصل الشاب خالد كى ينبهنى لذلك، سألته عن رأيه.. ضحك بطريقته المميزة قائلاً: «هو غير «الفيوزات» لكنه لسه «ضارب»!!».. عدت أسأله ماذا يفعل، فقال لى وكأنه أمر مفروغ منه: «أنا نازل ميدان التحرير».





مشاركة




التعليقات 5

عدد الردود 0

بواسطة:

ثروت

شباب ضارب برضه وياريت توافقني

عدد الردود 0

بواسطة:

محمد عبد الله

هذه هى الدنيا

عدد الردود 0

بواسطة:

صلاح العربي

مقال جميل لكاتبي المفضل

عدد الردود 0

بواسطة:

صلاح العربي

مقال جميل لكاتبي المفضل

عدد الردود 0

بواسطة:

تارك الديار

لماذا تضرب الفيوز ؟

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة