د. رضا عبد السلام

لابد أن تطال الثورة عصابات "النهب العقارى"

الجمعة، 15 يوليو 2011 09:56 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
تعرضت مصر خلال العقود القليلة الماضية، وتحديداً خلال العقد المنصرم، لعملية نهب وتخريب وتدمير غير مسبوقة، وعلى كافة الأصعدة. ولم يكن قطاع ما يسمى تجاوزاً "بالاستثمار العقارى" استثناءً فى هذا الخصوص، بل شكل سبباً رئيساً من أسباب إفقار شعب مصر وقيادته نحو الهاوية، بعد أن رفع من شأن فئات ريعية متسلقة وحط من شأن أغلب فئات المجتمع. فهذا القطاع الذى يتحكم فيه حفنة من السماسرة والعاطلين ومن يسمون تجاوزاً برجال الاستثمار العقارى (إلا ما استثنى منهم) سجل أبشعه جريمة نهب عقارى فى تاريخ مصر!!

ففى ظل غياب أو لنقل تغييب القانون، تحولت كل مدينة فى مصر إلى إقطاعية يسيطر عليها حفنة ممن سعوا لغسل أموالهم القذرة (غسيل الأموال)، من خلال ضخها فى القطاع العقارى، حتى شهدت أسعار العقارات خلال الفترة من 2005 وحتى 2010 عمليات صعود جنونية، لا يبررها عقل أو أى منطق اقتصادى، وهنا لو كان فى هذه البلاد مسئولاً، يحمل قلباً يكن حباً لهذه البلاد وهذا الشعب لتحرك وأوقف هذه الجريمة الشنعاء.

لن أستطرد فى الجدل النظرى، وأدخل بك عزيزى القارئ فى تجربة شخصية عايشتها بنفسى لكى أكون مسئولاً عما أكتب. قبل سفرى فى إعارة عام 2005 قمت ببحث فى مدينة المنصورة عن شقة، ووجدت بالفعل شقة ممتازة، ولكن كان سعرها آنذاك 200 ألف جنيه. قلت فى نفسى، لأسافر هذا العام وإن شاء الله أعود وأشتريها، حتى ولو ارتفع سعرها خلال العام إلى 230 ألفا، ولكن عندما عدت فى الصيف التالى، وجدت الشقة، ولكن قفز سعرها بقدرة قادر إلى 400 ألف جنيه، قلت ما باليد حيلة، فما وفرته خلال عام لا يكفى لردم فجوة ارتفاع الأسعار، ربما أستطيع العام القادم إن شاء الله...الخ. المهم هو أننى وجدت نفسى أهرول وراء سراب وأدور فى دائرة مفرغة. فالشقة لا تزال موجودة، ولكن سعرها اليوم تعدى المليون ونصف المليون!! مقارنة بحوالى 200 ألف عام 2005!!

تحركت لأماكن مختلفة بالمدينة، وجدت أسعاراً فلكية. فسعر المتر شقة (وليس أرض بناء) تعدى العشرة آلاف جنيه. هذا يعنى أنه يتوجب عليك للسكن فى شقة 200 متر "بدون تشطيب" أن تدفع حوالى 2 مليون جنيه!! أين؟ فى مدينة نائية تسمى المنصورة!!

ما الذى تغير فى وضع الاقتصاد؟ هل ارتفع مستوى معيشة المواطن المصرى فجأة؟ هل حدثت طفرة غير مسبوقة فى مستويات الدخول، ولهذا ارتفع الطلب على العقار فارتفعت أسعاره؟ هل نما السكان بمعدلات غير مسبوقة، ولهذا حدث فائض فى الطلب يفوق المعروض من العقارات؟

الإجابة على كافة الأسئلة المشار إليها أعلاه (وغيرها) بالنفى القاطع. ولهذا يبقى السؤال الذى يبحث عن إجابة: لما شهدت أسعار العقار تلك الارتفاعات الجنونية؟ قد يرد البعض بالقول بأن السبب هو ارتفاع أسعار مواد البناء ارتفاعات غير مسبوقة؟ وهنا يرد عليهم، ولما ارتفعت أسعار مواد البناء هكذا؟ أليس بسبب الاحتكارات والفساد الذى شاب هذا القطاع؟ ومثال أحمد عز ليس عنا ببعيد!!

فى الحقيقة، تعرض شعب مصر البائس لمؤامرة كبرى، شارك فيها حفنة ممن يسمون بشركات الاستثمار العقارى (والأحكام تؤخذ على الكثير الغالب وليس القليل النادر). فأغلب هذه الشركات لم يكن لها من هم سوى السيطرة والاستحواذ على كافة المسطحات والأراضى الصالحة للبناء فى كل مدينة من المدن المصرية. وطالما أنها تمكنت من احتكار السوق، بات بمقدورها فرض الأسعار التى تراها للوحدات السكنية.

ربما يرد البعض بالقول بأنه حتى ولو حاولت هذه الشركات فرض أسعار مبالغ فيها، فسرعان ما ستنخفض فى حال عدم منطقيتها. وهنا يُرَدُ بالقول بأن هذه الأسعار وجدت من هو قادر على التعامل معها، بل والشراء دون فصال، وخاصة:
• اللصوص الذين نهبوا المال العام، والعصابات الذين تاجروا فى أقوات الناس وحاجياتهم. فهؤلاء الشراذم وجدوا سوق العقار سوقاً مناسباً لغسل أموالهم القذرة، ولهذا لن يفكر هؤلاء كثيراً فى سعر مرتفع أو منخفض. هؤلاء لم يقاسوا الأمرين ولم يسافروا أو لم يعانوا فى جمع تلك الأموال. فالبائع وجد المشترى المناسب. وليذهب الشرفاء والكادحين والعصاميين إلى الجحيم...أليس كذلك؟
• الخليجيون، الذين وجدوا مصر من شمالها إلى جنوبها أرضاً خصبة لاستثمار أموالهم فى قطاع العقار المصري، بعد أن عرضت الحكومات الأخيرة أرض مصر بالكامل للبيع للأجانب، وقضية الوليد فى أرض توشكى ليست عنا ببعيد. فقد وضعت هذه الحكومات المجرمة المواطن المصرى الكادح فى منافسة مع الخليجى الثرى، فأيهما سيفوز بالشقة؟ لقد ترتب على السماح للأجانب بتملك العقارات فى مصر إشعال القطاع العقارى على رأس المصريين المجدين والشرفاء...أليس كذلك؟
• يضاف إلى الأسباب المشار إليها أعلاه ضعف التشريعات التى تنظم قطاع الإسكان، وهو ما دفع بالملايين إلى ترك عماراتهم مغلقة، خوفاً من عدم قدرتهم على إخراج المستأجرين منها. فالشقق موجودة وبالملايين، ولكنها غير مأهولة بسبب الخلل التشريعى.

حصاد تلك التجربة المريرة فى غاية الخطورة، حيث لم يعد بمقدور الملايين من أبناء مصر الحصول على مسكن فى ظل أجورهم المتدنية، ولهذا كان توجه الحكومة فى الموازنة الجديدة تخصيص 10 مليار لبناء المساكن توجها محموداً، يعكس إدراكاً من صانع القرار لخطورة المشكلة. ترتب على هذه الوضع المؤسف انتشار الكثير من الأمراض والمشكلات الاجتماعية كتأخر سن الزواج والعنوسة وارتفاع معدلات الجريمة والانتحار...الخ.
وفى مقابل تضرر الملايين من أبناء مصر بسبب خلل قطاع الاستثمار العقاري، تمكن حفنة ممن عملوا فى هذا القطاع من تحقيق ثروات ضخمة، وباتوا هم أثرياء العصر وأغنياء مصر (البشوات الجدد)!! هؤلاء هم صفوة المجتمع الآن. حققوا تلك الثروات على حساب وعلى أكتاف وجماجم الملايين من المصريين...وبعد هذا يسمونه استثمار عقارى؟! ولهذا حدث خلل اجتماعى خطير فى مصر. فقد انقلب الهرم، إذ اعتلى قمته حفنة غير مؤهلة للحديث باسم مصر، ولكنها تملك الكثير...أليس كذلك؟

وبناءً عليه، فإن حكومة مصر ما بعد الثور، الغارقة فى المشكلات الاقتصادية والديون، أمامها سجل وتاريخ تلك الشركات فى كل محافظة وفى كل مدينة من المدن المصرية.. لن تخسر هذه الشركات كثيراً لو أُجبِرت على التخلى عن جانب من أرباحها غير المبررة لمصلحة مصر، وبالتالى تكون قد أعادت جانب من الدين عليها تجاه هذا البلد وتجاه هذا الشعب الذى اكتوى بنارها.

فإن لم تتحرك هذه الشركات طواعية تُجبر على ذلك، وتُفتَح الملفات القديمة والمغلقة ويحاسب الجميع ويحصل كلٌ على حقه. مؤكد أننا لو اتخذنا هذه الخطوة على مستوى جمهورية مصر العربية سنتمكن من استعادة ما لا يقل عن 500 مليار جنيه إن لم يكن أكثر من ذلك، ولن يتضرر البنيان الاجتماعى أو الاقتصادى، فما سنفعله ليس أكثر من إعادة تصحيح لأوضاع خاطئة.

فهل تتحرك هذه الشركات طواعية لرد جانب من الدين تجاه بلد وشعب عانى ويعانى بسبب جرائمها؟ أم أنها ستنتظر تحرك أجهزة كشف الفساد ومحاربة الاحتكار والرشوة...الخ؟ هل تتحرك الجهات المسئولة، التى ولدت من رحم الثورة، لتصحيح هذه الأوضاع الخاطئة؟ الأيام بيننا.
• وكيل كلية الحقوق – جامعة المنصورة









مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة