قال الناقد الدكتور حسين حمودة كأن الأمنية التى تمناها طفلٌ فى نصٍ قصير للروائى العالمى نجيب محفوظ فى "أصداء السيرة الذاتية"، التى يقول فيها"، ومن أعماق قلبى تمنيتُ أن تدوم الثورة إلى الأبد"، كأنها تصلح لأن تظل باقيةً قائمةً فى ميادين كثيرة غاضبةٍ فى مدنٍ مصريةٍ وعربيةٍ ولأزمنة ممتدة ومتعددة.
جاء ذلك خلال الندوة التى عقدت مساء أمس، بنادى دار العلوم بالتوفيقية، حول "الخطاب الأدبى والسياسى من واقع ثور 25 يناير"، وتحدث فيها حسين حمودة، والناقد الدكتور عماد عبد اللطيف، وأدارها الشاعر والناقد أحمد حسن.
ورصد حسين حمودة، خلال عرضه للدراسة، التى أعدها بعنوان "ميادين الغضب"، استقراءً للمشاهد الثورية فى خمس روايات مصرية، وهم "بين القصرين" للأديب العالمى نجيب محفوظ، و"حديقة زهران" للكاتب عبد الفتاح رزق، و"راما والتنين" للكاتب إدوارد الخراط، و"مالك الحزين" للروائى الكبير إبراهيم أصلان، و"شرق النخيل" للروائى الكبير بهاء طاهر.
وأوضح حمودة أن هذه المشاهدات تقطع تاريخيًا زمنًا ممتدًا لأكثر من نصف قرن، وهى تشير مرجعيًا إلى ميادين غاضبة محتجة على طغيان متعدد المصادر والأشكال والدرجات، وتتباين طرائق رصد هذه الميادين الغاضبة فى الروايات التى احتوتها، كما تتباين سُبل توظيفها الروائى فضلاً عن تباين الشخصيات التى ارتبطت بتجارب الغضب بهذه الميادين والمصائر التى انتهت إليها، أو انتهى إليها هذا الغضب، من الانتماء الأول إلى حدّ الاستشهاد فى رواية نجيب محفوظ إلى الانخراط الأخير إلى حد الانتماء فى رواية بهاء طاهر، مرورًا بنفى المسافة بين الفراغ والحشد فى رواية عبد الفتاح رزق وبتأمل تفاصيل المشهد الغاضب والتقاط جوانبه الإنسانية فى رواية إبراهيم أصلان وبرصد معالم الغضب من منظور تبعيدى يرنو إلى السياق التاريخى الممتد ويستكشف قانون الطغيان الأزلى الذى يقود إليه فى رواية إدوارد الخراط.
وقال حمودة، خلال استشهاده ببعض مشاهد ميادين الغضب فى دراسته النقدية، إن الوقفة الأكثر أهمية فى تجربة نجيب محفوظ حول "الميدان الغاضب" تتمثل فى روايته "بين القصرين"، وفيها نتحرك خلال عدة فصول مع الرواى الذى يوازى شخصية "فهمى"، ويتنقل "محفوظ" فى هذه الفصول فيرصد تنامى المظاهرات متوقفًا عند أيامٍ بعينها، كأنه يستعيد فكرة "أيام العرب" فى التاريخ، أو كأنه يقدم يوميات للمظاهرات، وفى الرواية ما يشبه النبوءة أو النذير حينما يقول فهمى لأمه أن "الأم الوطنية الحقيقة هى التى تزغرد لاستشهاد ابنها"، وفى المشهد قبل الأخير لاستشهاد فهمى نحن نرى بعينيه التفاصيل كلها، من امتلاء الميدان -رمسيس الآن- وتحرك الألوف الحاشدة نحو ميدان عابدين.
وأشار إلى رواية "شرق النخيل" لبهاء طاهر، فأوضح أنها جسدت تجربة الراوى القادم من المدينة الجنوبية، والمنفصل عمن حوله، ثم ينخرط فيما بعد مع تيار الغضب داخل الميدان، ويصاب بجرح وينقل للمستشفى، ويفيق روائح الأدوية ويرى هو يقظ رؤية يرى فيها أمه تباركه وتبارك غضبًا قديمًا كان قد قام به إذ تمرد على شيخٍ داخل قريته ومتمردًا فى الوقت نفسه على أبيه، ومن هذا المشهد الذى تبارك فيه الأم ابنها، تومئ الرواية إلى أن انخراط الراوى فى هذا الميدان تجد تأييدًا داخل أعماق روحه الضائعة.
وفى رواية "راما والتنين" لإدوارد الخراط، أشار إلى الرصد الداخلى لمشاهد غضب قديم متجدد، تصوغه الرواية وتصله ببعضها حول فراعين مصريين قدامى وجدد، وذلك خلال المشاهدات والتأملات للشخصية المحورية "ميخائيل" ووقفاته حول ضجيج المدينة فيما قبل 18 يناير 1977، من اندفاع التمرد المحكوم بالآمال، مستشهدًا ما يمثل تجربة التظاهر الأبدى على ظلم متصل، وعلى التأييد المفتعل أيضًا لفرعونٍ أبديّ، كان ولا يزال بتعبير الرواية فرعونًا قديمًا واحدًا متجدد الوجه.
وحول رواية "الملك الحزين" لإبراهيم أصلان، ذكر حمودة تأملات الشخصية المحورية فيها، وهو "يوسف النجار" ورصده لميدان التحرير فى زمن اعتصام الطلاب فى بدايات السبعينيات والتفافهم حول "الكعكة الحجرية" الشهيرة، والتقاطه لتفاصيل جانبية أخرى فى ميدان "الكيت كات"، واختزال "أصلان" للمشاهد بكلمات قليلة عبرت عن القمع القادر على مواجهة الغاضبين، مشيرًا إلى رؤية العم "عمران" العجوز الذى يرى فيما قبل رحيله، كأن القيامة قد قامت فينهض ويتجه صوب المحشر عند ميدان الكيت الكات وهى تنحدر من السماء إلى الأرض.