د. طارق النجومى يكتب: فاطمة وزُهرة ونور ومهند

الخميس، 14 يوليو 2011 01:09 م
د. طارق النجومى يكتب: فاطمة وزُهرة ونور ومهند

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
دعاه صديق له لمقابلته فى أحد الفنادق.. منذ زمن بعيد لم يلتق به.. انشغل الجميع بالعمل والجرى وراء لقمة العيش.. هو سافر للعمل بالخارج منذ سنوات طويلة.. وصديقه انشغل بعمله الخاص الذى يأخذ كل وقته.. كانا يتندران بأن بقاء صلتهما رغم ظروفهما تعتبر عجيبة فى هذا الزمان.

كان الوقت متأخرا تجاوز الثانية عشر مساء.. بهو الفندق يلفه الهدوء.. نظر صديقه بدهشة وهو يلتفت لشخص مر بجانبه.. قام واقفا.. مش معقول.. محسن..!! كانت مفاجأة لهما فهما لم يروه ولم يسمعا عنه منذ أن تخرجوا من الجامعة.

تبادلوا الكلمات المعتادة فى مثل تلك الأحوال.. قال لهما ماتيجوا ننزل تحت.. القعده هناك ألطف وبالمره أنتظر أبنتى حتى تنتهى من الحفلة.. حفلة أيه..؟؟ ياسيدى الولاد خلصوا الثانوية وعاملين حفلة بالمناسبه دى.. والمدرسه هيا اللى منظمه الحفله..؟؟ لأ.. الولاد مرتبينها مع بعض.

فى طريقهم كان صوت الموسيقى الراقصة ينبعث من وراء باب قاعة مغلقة.. فتح الباب وخرجت منه إحدى البنات بصحبة شاب وهى تتضاحك وتتمايل..!! القاعة أنوارها خافتة لايكاد يرى منها شيئا.. يتجمع فى وسطها حشد كبير من البنات والشباب يرقصون سويا.. قال محسن.. الحفلة لسه ماخلصتش.

فى صوت واحد.. الله هى دى حفلة مدرسة بنتك..!! بابتسامة هادئة سعيدة قال لهم أيوه.. جلسوا وبادره أحدهم.. هو أنت سكنت فى مصر أمتى..؟؟ من زمان أنا سبت البلد.. بعد ماتخرجت أشتغلت وأتجوزت هنا وماشى الحال.. وأزى والدك..؟؟ ياه أنتوا لسه فاكرين.. ده أتوفى من أكثر من عشرين سنه.. الله يرحمه.

فجأة وقفت أمامهم فتاة طول بعرض تلبس فستانا عاريا من الأمام والخلف..عارية الأفخاذ.. تلبس حذاء ذا كعب عال زاد طولها طولا وأظهر ساقيها العاريتان بوضوح.. كانت تبتسم لهم ابتسامة عريضة يقابلها زميلهم بابتسامة أعرض منها..!! وقبل أن تختفى الدهشة من عيونهما قال وابتسامته تزداد عرضا.. أقدم لكم فاطمة بنتى.. سلمى يا فاطمة.

وقبل أن ينبس أحدهما بكلمة.. أستأذن منهما وسلم سريعا وانصرف وهو يحيط ابنته بذراعه.. تابعوهما حتى خروجهما وكأن على رؤوسهما الطير.. !! لم يستيقظ من دهشته إلا على صوت زميله وهو يقول يانهار أسود.. يانهار أسود.. وكمان مسميها فاطمة.. ايه اللى حصل ياجدعان.. الدنيا جرى فيها أيه..!؟؟

بقى كده يامحسن..!! كويس أن ابوك الحاج مات قبل مايشوفك أنت وفاطمة.. ده لو لسه عايش و شاف المنظر ده كان مات قبل مايموت..!! بقى كده يا أبن الحاج عبد الفضيل..!! ياخساره المروءه والجدعنه ياناس.

أخذ يذكره بيوم أن ذهبوا إليه ليزوروه فى قريته.. والده رجل ريفى بسيط.. بجلبابه وطقيته وطيبته وتدينه.. تذكروا كلمات محسن لهم وهو يحدثهم عن جده عندما كان يذهب إليه فى الحقل فيجده يقف يسقى الأرض والطين يصل لركبتيه.. قال له صديقه وهو يتحسر.. جده الطين كان يغطى ساقيه وهو يعمل بشرف وبعد كل السنين دى حفيده الطين مغطيه ولكن مغطى رأسه..!!

لحظات وأخذ بعض الشباب والبنات يخرجون من القاعة.. اندهشا.. الكثير من البنات محجبات..!؟؟ قال له صديقه وأيه دول كمان..؟؟ قال له لاتحاول أن تفهم لأنى أنا كمان مش فاهم ولو حاولنا نفهم مش هنفهم..!!

الناس اتغيرت..المسلسلات الهابطة والأفلام والأغانى المنحطة مسلطة عليهم ليل ونهار.. أنا سمعت أن دلوقتى البنات فى إعدادى مصاحبين ومرافقين والبنت اللى مش مسايره الجو بيعتبروها معقده.. معقول الكلام ده..!؟؟

أسال وأنت تعرف.. وعلى اللى بيسموه الفيسبوك الولاد مبهدلين الدنيا.. بيستخدموا لغة الشفرة وأهاليهم قاعدين زى قراطيس اللب فى البيت.. الأب والأم أصبح وجودهم فى البيت مش محصل لا رأس كرنبه ولا كيس جوافه..!!

طوال الطريق وهو يقود سيارته فى طريقه للمنزل يحدث نفسه..؟؟ الفساد انتشر والمفاسد كثرت.. تذكر أن نسبة الطلاق تجاوزت ال47%.. قال لنفسه ولسه.. إذا أستمر الوضع على ماهو عليه فالجوازة اللى هتنفع هتكون هى دى الشاذه..!! ده نتيجة التمدين الكاذب.. منذ عشرات السنين والدولة تحارب الدين والتدين.. فأصبح تقبُل العيب ليس عيبا..!!
قفز إلى ذهنه صورة زميله محسن.. تذكر جسد ابنته العارى.. كيف قبل أن يتحول إلى ديوث..!؟؟ تذكر قول الشاعر.. إذا وقع الذباب على طعـامٍ.. رفعـت يدى ونفسى تشتهيـه ..وتجتنبُ الأسودُ ورودَ مـاءِ.. إذا كنَّ الكلاب وَلَـغْـنَ فيه.

قال لنفسه العقول والقلوب تعودت على السيئ والقبيح كما تعودت العيون على أكوام القمامة والقذارة التى تمتلئ بها الشوارع فأصبحت لاتثير فى الناس شيئا وأصبح مشهدا معتادا.. أن التعود على القبح يميت القلوب.

مر على كوبرى أكتوبر.. حانت منه التفافة على ميدان التحرير.. الخيام منصوبة والاعتصام مستمر.. قال لنفسه ليس فقط من قتل المتظاهرين هم من يستحقون المحاكمة..!!؟؟ هناك من قتل ويقتل ليلا ونهارا ولا أحد يطالب بتقديمه للمحاكمة.. الأخلاق والمروءة والشهامة والأصل والقيم والمبادئ تغتال ليلا ونهارا.. ولم يهتم أحد..!!

تذكر الصراع الذى شاهده فى الميدان يوم الجمعة بين التيارات السياسية كل يريد أن يحصل على نصيبه من طبق الفتة الكبير.. المتواجدون يقفون أمام كل منصة يرددون الهتافات.. يسمعون من هذا ومن هذا.. يغلبهم الحماس وتتقاذفهم الأمانى.

قبل أن ينام وهو يغمض عينيه كان الإقتناع الأخير الذى وصل إليه.. بدون خلق وبدون دين لن تقوم لبلدنا قائمة.. ومهما حاولوا وقالوا الطامعون والمموهون.. ففى بلادنا الدين والأخلاق وجهان لعملة واحدة.








مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة