جمال نصار

العولمة ودورها فى طمس الهوية «2»

الخميس، 14 يوليو 2011 03:55 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
فى إطار العولمة ينساق كثير من الدول فى سباق نحو القاع أو الهاوية، إذ إنها فى إطار التسابق إلى مزيد من الإعفاءات والحوافز والميزات النسبية التى تعرضها على المستثمر الأجنبى لجذب الاستثمارات العالمية تجد نفسها فى مواجهة عجز متزايد فى إيراداتها، كما أنها فى إطار الاستجابة لشروط العولمة تجد نفسها مضطرة إلى تقليص أو إيقاف الدعم لغير القادرين وإلغاء التأمين على المهمشين والأفراد الأكثر تعرضًا للمخاطر، وعلى حد قول د. جلال أمين: «فإن بعض الدول تتحول إلى صورة كوميدية لها كل المظاهر الخارجية للدول ذات السيادة ولكنها فى الحقيقة تنحصر مهامها فى عملية الإخلاء والتسليم والتسلم».
وإذا كان مثقفو الغرب ومفكروهم أصحاب المواقع الراسخة المؤثرة فى الثقافة فى العالم المعاصر ينشدون ثقافة بلا حدود تواكب الاتجاه العولمى وتسايره، كما يبدو فى الرؤية الثقافية فى الغرب، فإنهم فى حقيقة الأمر يصنعون مبررات سيطرة الثقافة الغربية بلا حدود .

وهذه الفكرة -فكرة ثقافة بلا حدود– لتواكب العولمة التى يروج لها مفكرو الغرب، وخاصة فى الولايات المتحدة، تبزغ فى العالم فى نفس الوقت الذى يحافظون فيه على مقومات الدولة القومية، لأنها أساس الوحدة الرئيسية والمحورية فى النظام السياسى العالمى المعاصر.

إن الضغوط تتوالى من أجل فرض أسس ثقافية نمطية تستغل دعاوى الديمقراطية والمشاركة، والمكاشفة، وحقوق الإنسان، إلى غير ذلك من العناصر التى يمكن أن تشكل قواعد صالحة للتطوير والتحوير لو أنها صيغت فى إطار المنظومة الثقافية الوطنية، بينما تعمل أدوات الاتصال والمعلومات جاهدة من أجل غرس قيم وتمجيد ما يعتبر ثقافة عالمية جديرة بالاعتبار.

كما أن هناك محاولات للتغلغل فى ثنايا المجتمعات عن طريق ما يسمى المجتمع المدنى والمنظمات الأهلية التى يفترض فيها أن تقوم بمساعدة الأهالى فى مختلف المستويات والمناطق على اكتساب قدرات لحل مشاكلهم، لتصبح أدوات إشاعة مفاهيم تتفق ومقومات ثقافية وحضارية غربية، ويستغل فى ذلك ما تقدمه الدول المتقدمة من معونات.

يقول الدكتور محمد عمارة: «إن العولمة لا تثمر اعتمادًا متبادلاً، ولا تثمر العالمية التى هى مطمح الشعوب وأمل الحضارات، ومطلب المستنيرين، إنما تثمر تزايد الخلل فى علاقات الأقوياء بالمستضعفين الساعين إلى النهوض والانعتاق من مأزق التخلف والاستضعاف».
ومما يدل على ذلك أن الأنماط الاستهلاكية التى بدأت تسود فى العالم العربى والإسلامى بدءًا من المشروبات الغازية وسندوتشات الهامبرجر والمطاعم والملابس والأفلام والمسلسلات والتقاليع والأنماط الغربية وجدت صدى لها فى الشارعين العربى والإسلامى!!

ومن ثمّ نجد أن العولمة الثقافية تريد أن تسلخنا من جلدنا وأن تنزعنا من هويتنا أو تنزع منا هويتنا، وأن تنفق فى أمتنا بضائعها الفكرية ومعلباتها الثقافية الملوثة بالإشعاع الحاملة للموت والدمار.

إن العقل الغربى الذى أوصل صاحبه إلى امتلاك التقنية، أجبر الإنسان على أن يتخلى عن عقله، لأن الآلة تقوم بكل شىء أو لأن التقنية لا تطور الأشياء تطورًا حرًا، إذ إنها تطور الماديات أما الأخلاق والمواهب الإنسانية فإنها تقتلها قتلاً.

إن الإنسان يسير داخل هذا المجتمع معتقدًا أن النظام الديمقراطى أعظم النظم السياسية، ويرى ذاته فى إنجازات التقدم الصناعى فى تلك السيارة والتليفزيون والكمبيوتر، وأطعمة بعينها، وأزياء خاصة، ومن ثمَّ فإن هذه الحرية التى يفتخر بها المجتمع الأمريكى مفروضة على المواطنين دونما اختيار، لأن الفرد فى هذا المجتمع يختار ما هو محدد له بالفعل، وعن هذه الحرية تحدث «ماركيوز»، كما تحدث عن الأفراد الذين يتمتعون بها ووصفهم بالعبيد فقال: «إن عبيد الحضارة الصناعية المتقدمة عبيد راقون، لأن الحرية لا تتحدد بمجرد الطاعة، ولا بالعمل الشاق الذى يقوم به الإنسان، إنما تتحدد بقدر ما أن يكون الإنسان شيئًا».

إن من أهم واجباتنا أن ننهض بحياتنا، ونجدد حضارتنا، ونبادر بالإرادات العازمة، ونؤيد ونساعد العزائم الحازمة، فيكفى ما نعيشه اليوم فى وطننا العربى والإسلامى من تخلّف فى دنيانا تسبب فى تسلطٍ على ديننا، فهل نتأمل الحال قبل المآل، ونسعى نحو تجديد حضارتنا العربية الإسلامية، التى كانت مصدر فخرنا وعزتنا، وليست مجرد ذكريات نتذكرها ولا نكاد نعيدها؟!








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة