.. التى - للأسف - لم تكن أبداً من مطالب الثوار الرئيسية ربما بسبب السمعة السيئة للكلمة منذ استخدمها النظام الشمولى لإهدار القانون والتلاعب بالقضاء كله الذى كان تمثيله رمزيا، بينما «جسم» المحكمة الرئيسى من العسكر صغيرى السن ضيقى الصدر بأى اختلاف، قليلى الاحترام لمبدأ المحاكمة العادلة كما ارتضاها المجتمع الإنسانى عبر مسيرته الطويلة.
الآن تبدو المحكمة الثورية هى البديل الوحيد للموقف المعقد والمتشابك الذى آلت إليه أوضاع الوطن:
-1 مجلس عسكرى يفتقر إلى أساليب الحكم «وهو غير مؤهل له على أى حال» خاصة فى مجتمع ديمقراطى حديث، يخلط الأولويات، ويحافظ على توازنات هشة، ويضيق بالمعارضة الحقيقية، وينتصر لاتجاهات محافظة بل رجعية يتصور أنها سوف تحتفظ له «بوضعه الخاص» خارج إطار المؤسسات الديمقراطية المعترف بها فى العالم كله، تعوَّد على ثبات الأوضاع حتى أدمن الركود وجر الوطن كله نحو «استقرار» وهمى ليس له أساس.
2 - فوضى قانونية أوجدها نظام عابث لا تهدف سوى إلى إغراق الناس فى بحار من القوانين المتصادمة والمتناقضة والناقصة والمعيبة، لكى يلتهى البشر فى استخلاص حقوقهم عبر سنوات من المعاناة فى متاهة من الإجراءات والشكليات وألاعيب المحامين «التى يدعونها شطارة» فى اختراق القانون من ثقوبه- المصنوعة عمداً- والتحايل عليه وصولاً إلى إهداره التام، فأصبحنا لا نفاجأ ببراءات لمجرمين واضحى الإجرام.
3 - نظام قضائى أُفسد البعض من أفراده «من مستوى التحقيق حتى مستوى القضاء الجالس» وأدمنوا الخضوع للسلطة «أى سلطة» التى تعدهم باستمرار امتيازاتهم الوظيفية بعد إحالتهم للتقاعد فى وظائف مدنية «محافظين وحكاما محليين» أو مستشارين منتدبين فى قطاعات الدولة المختلفة بمبالغ طائلة، لقد أصبح إرضاء السلطة عند هؤلاء مقدما على إرضاء الضمير الذى هو روح القضاء كله، كذلك أخبرنا المستشار البسطويسى وعبدالعزيز ومكى وغيرهم عما يلوث ثوب القضاء الناصع البياض من هؤلاء الذين أجبرهم النظام الطاغوتى «منذ تولى العسكر» على قبول انتهاك القانون باسم «المواءمة السياسية» وصولاً إلى الائتمار مباشرة بتعليمات أمن الدولة، حتى وصلنا إلى المساهمة المخزية فى تزوير الانتخابات وإرادة الشعب.
4 - خلو هذه «الغابة» القانونية المتشابكة من أى قانون للمحاسبة على الجرائم السياسية التى هى السبب الرئيسى لاندلاع ثورتنا العظيمة، فلم تسل دماء الشهداء من أجل محاكمة العادلى فى الاستيلاء على قطعة أرض أو التلاعب بلوحات مرور ولا من أجل دخول كل هؤلاء المفسدين بالقفص، متهمين بفيلا زائدة أو بضعة ملايين غير مبررة، إن هذا فى حد ذاته إهانة للثورة وإهدار للقيم العليا التى انفجرت من أجلها صونا لكرامة الشعب الذى ما طالب إلا بالحرية والديمقراطية فى مواجهة من زيفوا إرادة الشعب طوال عقود وتكالبوا على قيمة «الجمهورية» بالإعداد الفج لتوريث مفضوح.
والمرء يتساءل.. ماذا لو تمكن محام بارع من إثبات أن حسنى مبارك لم يأمر بإطلاق النار على المتظاهرين؟ هل تبرأ ساحته ويذهب حراً طليقاً مطالباً بتكريمه؟ وكذلك أذناب نظامه من رجل «الموافقة» فى مجلس الشعب المزور وحتى القضاة الفاسدين ترزية القوانين الفجة والمعيبة؟ إن أى قاض عادل اليوم ليس أمامه سوى الحكم بما يتوفر أمامه من قوانين وهو فى ذلك معذور تماماً.. ما لم تتوفر الإرادة السياسية فى محاكمة حقيقية علنية على الجرائم الحقيقية التى كانت تحدث بكل فجر أمام أعيننا جميعاً.
5 - محكمة الثورة التى نطالب بها ليست سوى استجابة لشرعية ثورية يحكم بمقتضاها المجلس العسكرى الحاكم والوزارة الحالية، ليس ثمة خروج إذن على مقتضيات هذه الشرعية الثورية، كما أننا نطالب عند خروج هذه المحكمة إلى الوجود بضمانات قانونية «فى التشكيل فى القانون الأساسى» تتيح شفافية كاملة وحقوقا غير منقوصة فى الدفاع وصولاً إلى محاكمة قانونية عادلة تقبلها المعايير الدولية ولا نعتبرها محكمة للثأر أو التشفى، وإنما محكمة لإعادة حقوق شعوب طال انتهاكها ولا يمكن لقانون وضعه الطغاة أن يدينهم. محكمة الثورة - هى كلمة السر لحل كثير من تعقيدات الوضع الذى يأخذ بتلابيب الجميع حتى هذه اللحظة، وأرجو ألا يهتز رجال المجلس العسكرى كثيراً لما سمعنا به من تهديد الرئيس المخلوع بأنه - حال محاكمته - سوف يفضح الجميع.. الحق سوف يسطع كالشمس مهما أخفينا رؤوسنا فى ظلام التردد والمماطلة.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
سيد عثمان محمد فال
العدل أساس الحكم