قالت هيئة الإذاعة البريطانية "بى بى سى" إن الجيش المصرى واجه قبل ستين عاما معضلة سياسية مشابهة لتلك التى يواجهها الآن.
وفى التحليل المقارن بين موقف الجيش الآن، وبعد ثورة (انقلاب) يوليو عام 1952، والذى كتبه عمر عاشور مدير برنامج دراسات الشرق الأوسط بمعهد الدراسات العربية والإسلامية بجامعة إكستير البريطانية، قال إن جمال عبد الناصر أخبر مجموعة من ضباط الجيش وقادة الإخوان المسلمين فى 29 ديسمبر 1952 أنه إذا أجريت انتخابات فى هذا الوقت، فسيفوز بها مصطفى النحاس "زعيم الوفد حينئذ" وليس الجيش الذى قام بالثورة، وكان عبد الناصر يناقش مستقبل الانتقال السياسى فى مصر فى هذه الفترة، وبقية القصة معروفة، حيث تم حل البرلمان وحظر الأحزاب وتعليق الحريات وهيمن الجيش على السياسة. باختصار، فقدت مصر حريتها.
وكان الرجل الذى يفترض أن يفوز فى حال إجراء انتخابات فى عام 1952 هو مصطفى النحاس أكثر الأحزاب التى حظيت بشعبية فى هذا الوقت، ولخشيتها من تحقيق الليبراليين انتصاراً انتخابيا، أيدت جماعة الإخوان المسلمين قرار عبد الناصر ومجلس قيادة الثورة بحظر كل الأحزاب.
وكان السبب وراء ذلك براجماتياً وليس أيديولوجياً. فقد ظن قادة الجماعة أن هذا سيمنحهم ميزة فى مناخ سياسى لا يوجد فيه أطراف قوية، وكان هذا بالطبع سوء تقدير من جانبهم.
والآن، فإن مصر يحكمها المجلس الأعلى للقوات المسلحة وليس مجلس قيادة الثورة. ويقوم بدور عبد الناصر الآن المشير حسين طنطاوى، وتحت قيادته يتحدث المجلس عن التحول إلى الديمقراطية مع وضع خاص محفوظ للجيش ومؤسساته ومصالحه.
ويمضى التقرير فى القول إن القياس بالأحداث التى وقعت قبل حوالى 60 عاما ليس تاما، حيث تم استبدال بعض الأدوار، فالدور الذى قام به الوفد والليبراليون فى الماضى، يقوم به الإخوان المسلمين اليوم.
فعلى النقيض تماماً من الوضع عام 1952، يلعب الإسلاميون الآن دور الديمقراطيين، بينما يطالب الليبراليون ببقاء الجيش فى السلطة، ويقصد الكاتب هنا موافقة الإخوان على التعديلات الدستورية ورغبتهم فى إجراء الانتخابات البرلمانية سريعاً فى سبتمبر المقبل، تمهيداً لنقل الحكم إلى سلطة مدنية، بينما يريد الليبراليون تأجيل الانتخابات لحين وضع الدستور أولاً بما يطيل بقاء الجيش فى السلطة.
ويعتقد عاشور أن هناك أسبابا وجيهة للشعبية التى يحظى بها الإخوان المسلمون والتى يمكن أن تقدم بعض الدروس المستفادة للعلمانيين فى المرحلة المقبلة.. فقد كان المناخ السياسى الذى منحه رؤساء مصر السابقين محدود للغاية أمام الإسلاميين والليبراليين على حد سواء، لكن الجماعة تصدت لذلك من خلال نشاطها فى الجامعات والنقابات فى جميع أنحاء مصر ومن خلال تجنيد الشباب وبناء التحالفات والتخلى عن العنف السياسى فى نهاية المطاف.
إلى جانب ذلك، قدمت الجماعة العديد من الخدمات الاجتماعية. فكان نجاحهم بسبب العمل التنظيمى الجاد والتفانى المثير للإعجاب. وهم بشتى الطرق يمثلون نموذجاً لكيفية البقاء والازدهار فى ظروف سياسية غير محمودة. لكن من سيفوز فى الانتخابات البرلمانية سواء كان الإخوان أو غيرها، فسيصبح إذن أقل شعبية بعد أربع سنوات فى ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التى تواجهها مصر، الأمر الذى يلقى بتحديات هائلة أمام أى حكومة بصرف النظر عن أيديولوجيتها.
وعلى هذا الأساس يجب أن يقبل العلمانيون بنتائج الاستفتاء على التعديلات الدستورية الذى أجرى فى مارس الماضى، وأن يعترفوا بأنه من المحتمل أن يخسروا أول انتخابات حرة بعد مبارك، ويضعون إستراتيجيات للمرحلة القادمة. وهذا سيمنحهم الوقت لبناء التحالفات وتأسيس شبكات خدمات اجتماعية وتنظيم أحزاب سياسية أقوى والاعتماد على رسالتهم فى جميع أنحاء مصر، والوصول إلى المناطق القروية. وفى هذه النقطة، يجب أن يعلم الليبراليون والعلمانيون أنه فى حين أن 44% من البالغين فى مصر وعددهم 55 مليون من الأميين إلا أنهم جميعا لديهم حق التصويت فى الانتخابات.
بى بى سى : موقف الإخوان يشبه الوفديين بعد ثورة 1952
الأربعاء، 13 يوليو 2011 01:58 م