لقد أعلنت الحكومة النية لزيادة الحد الأدنى للأجور إلى 700 جنيه لتصل إلى 1200 جنيه فى غضون 5 سنوات، وبقدر الحاجة لزيادة الأجور لمواجهة ارتفاع الأسعار، ولكن واقع بلادنا وما يفعله الكثير- إن لم نقل الجميع إلا اللم - من استغلال هذه الزيادة لرفع الأسعار أضعاف الزيادة المتوقعة للمواطنين، يجعل هذه الزيادة زيادة ورقية فقط يقابلها ضعف فعلى فى القدرة على الشراء، وإنه طوال هذه السنوات التى سترتفع فيها الأجور لتصل إلى ذلك الحد الأدنى 1200 جنيه سوف يصاحبها ارتفاعا أعلى فى الأسعار ليكون الحد الأدنى المطلوب لتحقيق حياه كريمة قد وصل فعليا إلى أضعاف هذا المبلغ أضعافا كثيرة، فالمهم ليس هو زيادة الأجور ولكن هو تقليل فعلى للفجوة بين الأجور والأسعار، مما يجعلنا ننادى بعدم زيادة الأجور، ولكن فى المقابل نطالب الحكومة بالقيام بدورها المفقود فى الرقابة على الأسواق، وذلك إما بالرقابة المباشرة أو الغير مباشرة.
فإن تدخلت بالرقابة المباشرة فتقوم بإلزام الجميع بتخفيض فى الأسعار بنفس النسبة التى كانت تنوى الحكومة لرفع الأجور إليها، أى تخفيض الأسعار بنسبة 15% مثلا، ومن لا يقدر على القيام بهذا التخفيض بكامل هذه النسبة، فيمكن أن يكون التخفيض جزئ وبأكبر قدر ممكن بعد دراسة تكلفة منتجة الاقتصادية، وإضافة ربح بهامشية مقبولة، وهو نفس ما يجب أن تقوم به الحكومة مرحليا بعد ذلك على المدى الأطول لجميع السلع المصنعة محليا والمستوردة. وإما بالرقابة غير المباشرة، وذلك بما تملكه الدولة من الأدوات المالية والسياسات النقدية، وذلك لتخفيض الأسعار المتتالى بدلا من زيادة الأجور المتتالية والتى ما هى إلا زيادة ورقية فقط ويقابلها انخفاض فعلى فى قدرة المواطن على مواجهة الغول المتنامى للأسعار والذى لا يلاحق.
بل أن هناك كثير من الإيجابيات بالمعالجة المذكورة عالية منها ما يلى:-
1- زيادة فعلية فى قدرة المواطن على الشراء ليست للموظفين وبعض أصحاب المعاشات فقط، ولكنها ستعود كذلك بنفس الفائدة على الحرفيين والفلاحين وأصحاب الأعمال الحرة والأعمال الموسمية وخلافه.
2- عدم الإضطرار للاقتراض الخارجى أو الداخلى، حيث إنه بالفعل يوجد عجز فى ميزانية الدولة يبلغ حدود 170 مليار جنيه وإن هذه الزيادة التى أعلنتها الحكومة سوف تتطلب مصروفات إضافية للحكومة وللمعاشات فقط بقيمة 20 مليار جنيه، فسيصبح هذا عجزا فوق العجز والخطورة الأخرى أن هذا العجز سوف تضطر الحكومة لتغطيته بالقروض وتحميلها للأجيال القادمة والتى وصلت بالفعل إلى 1.3 ترليون جنيه (مليون مليون جنيه) وتكاد أن تتسبب فى إنهيار الدولة، حيث إن أعباء هذا الدين بلغت 110.8 مليار جنيه سنويا بنسبة 21.4 % من إجمالى مصروفات الدولة !!. وكما هو معروف فإن أخطر أنواع القروض هو القرض الاستهلاكى لأنك تتحمل رد قيمته وفوائدها بالكامل ، مع أنه لم ينتج أى ربحا لتغطية أى منهما.
3- بل إنه إن كانت الحكومة تستطيع توفير بعض القروض لمقابلة هذه الزيادة فى الأجور المقترحة فلتقم بدفعها لخلق فرص عمل جديدة مما سيعمل على معالجة وتقليل مشكلة البطالة بدلا من زيادتها المتوقعة بالطريقة الحالية، فضلا عن زيادة الدخل القومى وتغطية أعباء هذه الديون.
4- تعرض كثير من الشركات والمصانع فى القطاع الخاص للتوقف لارتفاع التكلفة عليها، أو على الأقل لتقليل العمالة (زيادة البطالة) مع إضافة هذه الزيادة فى النهاية على المواطنين لزيادة الأسعار مرة أخرى، ومثال خطير على هذا تقدم 900 مدرسة خاصة بالفعل (وهى من المدارس الخاصة بالمناطق الشعبية بمصاريف متوسطة وليست مرتفعة كالمدارس الخاصة مرتفعة المصاريف) بطلب وقف لنشاطها لعدم قدرتها على الأستمرار أو فتح الحق لها فى رفع المصروفات على المواطنين، وقد كان هذا قبل إقرار زيادة الأجور فكيف نتصور الوضع الآن؟
5- بل إن هذا الحل سيمنع التأثير السلبى للمعالجة الحالية والناتجة من تقليل الاستثمارات الخارجية والداخلية الحديثة بما يعنى تقليل فرص العمل وزيادة البطالة وعدم زيادة الدخل القومى وقد يكون هذا لعدم جدواها الاقتصادية بالحدود المذكورة وخاصة مع عدم ربطها بالإنتاجية، وخاصة وأن إنتاجية العامل المصرى للأسف الشديد مازالت متدنية من ناحية الكم فضلا عن عدم مراعاتها لقواعد الجودة المتعارف عليها عالميا (متوسط إنتاجية العامل المصرى 23 دقيقة يوميا !!) وفى دراسة لتطوير صناعة السيارات فى مصر وجد أن إنتاجية العامل فى أوروبا 99 سيارة فى العام بينما فى مصر إنتاجية العامل 25 سيارة فقط !! هذا غير فرق الجودة. فضلا عن أن ما تقوم به هو مجرد تجميع فقط لأن التشطيبات عندنا متدنية الجودة بشكل شديد.
6- بل إن تخفيض الأسعار سوف يضيف إلى مصر قدره تنافسيه تعمل على زيادة الدخل القومى وإضافة فرص عمل جديدة وذلك للآتى :-
• زيادة السياحة لتخفيض الأسعار.
• زيادة القدرة التنافسية للصادرات المصرية فى الأسواق العالمية.
• زيادة القدرة التنافسية للمنتجات المصرية فى السوق المحلى مقابل المستورد.
• زيادة الطلب على اليد العاملة وتشجيع الاستثمار لبناء مصانع وأنشطة بمصر لرخص اليد العاملة وخاصة بعد الاهتمام برفع كفاءتها وإلتزامها وخاصة فى المناطق الحرة لبيع منتجاتها بالأسعار العالمية مع رخص اليد العاملة (صين ثانية).
7- بل إن الفائدة سوف تتعدى ذلك إلى المدخرات الخاصة بالمواطنين حيث أن قدرتها الشرائية سوف تزداد مما يعنى مكسب إضافى ومعاونة أكثر على مواجهة ظروف الحياة.
بل إن الحكومة لم تقم بجهود أو تقدم خطط للعمل على تقليل الأسعار مثل :-
1- محاربة الاحتكار للمنتجات المحلية وفى مجال الاستيراد.
2- توفير الأسمدة والمبيدات الحشرية بأسعار معقوله وذلك لكونها جزء من تكاليف الإنتاج الزراعى وبالتالى تخفيض آخرلتكلفتها.
3- العمل على وضع خطط جدية لتقليل الفاقد كالفاقد فى القمح والماء والمزروعات وخلافه.
4- إعادة الدماء إلى مركز بحوث الصحراء والابحاث على وجه العموم وأبحاثها المهمله والتى تم إخفاءها مثل بحث زراعة القمح بالمياه المالحه فى فترة الحكم السابق.
كما أنها فى المقابل كذلك لم تقم بجهود وتقدم خطط للعمل على تقليل العجز المالى وعلى الأقل ليساعدها فى تحقيق خططها من زيادة الأجور وذلك مثل :-
1- وضع حد أعلى للأجور.
2- إعادة توجيه الدعم ليكون لمستحقيه فعليا مع عدم تأثيره السلبى على الأسعار مره أخرى.
3- مراعاة قضية هامة جدا وهى أن الدعم فى كثير من الحالات لا يصل إلى مستحقيه أو حتى غير مستحقيه ولكنه يهدر بلا فائدة. بل إن هذا الإهدار يتعدى إهدار ذلك الدعم إلى إهدار الأصول ذاتها أيضا ومثال ذلك إهدار المواد البترولية بسبب أزمة المرور والتى تتسبب فى إهدار ثلاثة أرباع الدعم فضلا عن إهدار قيمتها هى ذاتها والتى تصل إلى :-
أ- إهدار البنزين بقيمة 15 مليار جنيه.
ب- إهدار السولار بقيمة تصل إلى 45 مليار جنيه، لأن جزء كبير منها يجب أن يكون غير مدعم من الأساس وهو الخاص بالمصانع.
ت- إهدار المازوت وهو من الأرقام الغريبة حيث أن المازوت تم منع استخدامه كوقود منذ 10 سنوات، ويتم وقف كثير من المصانع التى تحاول استخدامه، وهو من الاستخدامات الصناعية التى لا يجب دعمها. فكيف يتم دعمها بقيمة 13 مليار جنيه !!
ث- إهدار فى الغاز الطبيعى وذلك فى الجزء المستخدم للسيارت بسبب أزمة المرور أما الجزء الخاص بالمصانع فيجب أن يكون غير مدعما، وتصل قيمة هذا البند 10 مليار جنيه.
ج- بل الأخطر فى هذا أن يتم دعم المواطن الإسرائيلى والمواطن الغربى فى عدة دول غربية من الموازنة المصرية فى أسعار الغاز التى يتم توريدها لهم !! والتى كانت من المفترض أن تكون مصدرا للدخل والربح بدلا من إعطاءها مجانا وعليها دعما !!
ح- هذا فضلا عن الإهدار الغير مباشر نتيجة هذه الاختناقات المرورية والتى تتعدى الـ 65 مليار جنيه (مناقشات مجلس الشورى).
فلو وضعنا فى الاعتبار هذا الإهدار وتم مقارنته بقيمة دعم المواد البترولية والتى تبلغ 99 مليار جنيه ، لأيقنا ان غالبية الدعم يتم أهداره فلا هو يصل لمستحقيه ولا لغير مستحقيه ولكن يتم إهداره فى الهواء.
ويا ليت أن هذا الإهدار يتم فقط بلا فائدة ولكنه يعود أيضا بأضرار أخرى غير مباشرة من إهدار وقت وجهد وأضرار بيئية، بل إن هذا البند كان يمكن أن يحقق عائدا بدلا من استنزافه لموارد الدولة والإضطرار للتدخل بالدعم وبتلك القيمة التى تصل إلى 99 مليار جنيه. يمكن الرجوع إلى مقال سابق لى بجريدة الوفد بتاريخ 24/2/2008 تحت اسم "القضية الغائبة فى الدعم ..... إهداره" لمعرفة تفاصيل أكثر.
4- بل إن هذا الإهدار قد يتعدى الإهدار المالى إلى إهدار لصحة المواطن المصرى وبالتالى زيادة الإنفاق الصحى والدعم المطلوب له، بالإضافة إلى تأثر الانتاج القومى فضلا عن الشق الإنسانى من زيادة المعاناة على المصريين بهذه الألام ، ومن المشاكل التى يترتب عليها إهدار صحى فضلا عن الإهدار الأقتصادى ما يلى :-
أ- إهدار قش الأرز وما يصاحبه من أضرار السحابه السوداء وما تحمله من مواد مسرطنه واختناقات وحساسية للصدر مع عدم الاستفاده منه اقتصاديا.
ب- إهدار مخلفات (القمامة) وهى تعد كنزا تستفيد منه بعض الدول لأنها فضلا عن عالية.. ممكن أن تستخدم فى إعادة تدوير بعض الاقتصاديات مع إنتاج بعض أنواع الأسمدة.
ت- أضرار التلوث الناتج من عوادم السيارات وما تحمله من منتجات الرصاص التى تصيب أبناءنا بالتخلف العقلى فضلا عن باقى أضرارها الصحية، أى أن إهدار المواد البترولية يتعدى الإهدار المالى إلى الإهدار البيئى والإهدار الصحى.
5- إدخال حسابات الصناديق الخاصة تحت رقابة الدولة وداخل ميزانيتها والتى تختلف الآراء على قيمتها المالية من 36 مليار جنيه إلى أكثر من تريليون جنيه !! لتكون موردا رئيسيا لسد العجز المالى، بل قد تصل إلى سداد جزء من ديون مصر.
6- إدخال الإيرادات الغير منظورة (إيرادات وزارة الصحة مثل تذاكر دخول المستشفيات والعيادات الخارجية و.... وكذلك إيرادات وزارة الداخلية من المرور وشهادات الميلاد و.... وكذلك إيرادات الحكم المحلى و.... خلافه إلى موازنة الدولة لمتابعتها والرقابة عليها وتخفيض العجز بها.
لذلك فإننى أطالب الحكومة بأخذ إجراءات جديه ووضع خطط صحيحة لتقليل الأسعار وتقليل العجز التجارى ومعالجة المشاكل من جذورها وليس معالجة شكلية تعود بالضرر علينا نحن والأجيال القادمة مع إلغاء اللجنة العليا للأجوروتأسيس اللجنة العليا للأجور والأسعار للعمل ليس على زيادة الأجور ولكن لربط الأجور بالأسعار والعمل على تقليل الفجوة بينهما أولا بالعمل على تخفيض الأسعار للوصول إلى الحد الأدنى لتخفيضها ويصاحبها دراسة مستمرة للحد الأدنى للأجور المطلوبة، والتى أمل أن نصل إلى تخفيضهما (الأسعار والأجور) بدلا من زيادتهما ، على أن تتم هذه الخطوات بأسرع وقت ممكن فالمهم هو أن نضمن للمواطنين حد أدنى من الحياه الكريمة (حد الكفاية) وهو حق من حقوق المواطنة والذى يجب أن يراعيه المواطن فى المقابل بحق الوطن عليه من العمل بجوده وإنتاجية عالية، فإن خطط الحكومة الصحيحه للعلاج ورفع القدرة التنافسية للعامل المصرى من تخفيض الأجور ورفع جودة العمل والإنتاج هما قاطرة التنمية للوطن.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
احمد خروب
الكلام رائع بس فين التنفيز
عدد الردود 0
بواسطة:
Amr Hassan
مقال رائع
عدد الردود 0
بواسطة:
Mohamed Ahmed
فكر جديد