ثورة 25 يناير هى مصر فى أبهى صورها، هى شرف أبنائها، وعزتهم وكرامتهم، هى أعز وأغلى ما يملكه المصريون الآن، هى فرصة لا تتكرر كثيراً فى حياة الشعوب، وهى لحظة تأتى فى أعمار الرجال مرة واحدة، إما أن يصنعوا بها حاضراً يحملهم نحو مستقبل مشرق، أو يحفروا منها قبوراً تقذف بهم نحو اللا مستقبل واللا معلوم!
ثورات الشعوب كـ "شرف" نسائها، لا يقبل القسمة على اثنين ولا يرضى بأنصاف الحلول ولا يرتضى المساومة، أما أن تبيع نفسك وتبيع ثورتك- ثم تثبّت جوهرتين مكانهما.. هل ترى؟!.. هى أشياء لا تُشترى- وأما أن تشترى الكل، الثورة أما أن تؤخذ "باكيدج" أو لا تعتبر ثورة!
بعد مرور ما يقرب من نصف عام على ثورة 25 يناير، بدت مصر الثورية تُدار بأسلوب يشبه أسلوب إدارة مصر قبل الثورة، حيث بدأ شرف الذى اختاره الثوار من قلب ميدان التحرير ضعيفا لا يملك سوى جواز سفر يقضى به رحلاته حول العالم كمندوب للمجلس العسكرى، قضى شرف خارج مصر أكثر ما قضى بها، وأكثر ما قضى على آمال الكثيرين منها!
قبل أن نلوم المجلس العسكرى الذى همّش الرجل الذى اختارته الثورة، علينا أن نلوم شرف أولاً لأنه كان بإمكانه وبتأييد شعبى جارف- يوم أن أقسم الولاء فى ميدان التحرير– أن يدير ويحكم ويُقيل ويُعين وأن يمنح ويمنع ويطلب فيُجاب، وأن يُقيل الجمل إذا أراد أن يقيله دون أن يمنعه المجلس الأعلى من ذلك، لمجرد أنه يعبر عن روح الثورة.
كان "شرف" الثورة أعظم لحظة مارس فيها المصريون الديمقراطية المباشرة فى تلك المدينة الفاضلة فى ميدان التحرير، عندما اختاروه وبايعوه وألقوا بكل أحلامهم فى جُعبته، وعاد كل منّا إلى بيته مطمئنا، وبعد مرور ما يقرب من نصف عام على الثورة أصبح "شرف" الثورة، مثل القادم من كوكب آخر لا يكذب ولكنه يتجمّل!
جاء رد فعل شرف على جمعة 8 يوليو، مخيباً للآمال العريضة، وأكد بأن مصر تُدار بعقلية ما قبل الثورة، وأن إيقاع من يحكمون البلاد لا يتناسب مع إيقاع مصر الثورية، مازالوا هم يفكرون بسرعة السلحفاة ومصر تحتاج لمن يفكر بسرعة الضوء!
مازالت العدالة بطيئة، ودموع أمهات الشهداء لم تجف بَعد، والمجرمون طلقاء يمارسون هوايتهم المعتادة فى قتل الأمل فى قلوبنا، والهواجس مخيفة، والمجلس العسكرى يُدير مصر بغموض رهيب، وبطء غير مبرر، وشك فى غير محله، وتربص يسىء لهم قبل أن يسىء لغيرهم.
مصر تحتاج فى هذه اللحظة التاريخية إلى صورة أوضح، أن نزيل كل هذا الضباب الذى يستنفذ من رصيد المجلس الأعلى فى قلوبنا، مصر تحتاج إلى رجال يرفعونها على الأعناق ولا تحتاج إلى بيانات مكررة وتصريحات متضاربة وكلمات لا تسمن ولا تغنى من جوع، مصر تحتاج إلى أفعال لا أقوال.
السيناريو المخيف هو ذلك السيناريو الذى يتمناه ساكنو طُرة لاند، ورجال النظام البائد، وأعضاء حزبه المنتشرين فى كل أرجاء مصر محاولين نشر الفوضى أو على الأقل تلقين الأغلبية البسيطة لعن الثورة فى كل وقت وحين.
الاتجاه نحو العصيان المدنى فى السويس وفى محافظات مصرية أخرى، مؤشر خطير على اقتناع من يقومون به أنه لا يوجد حل آخر، وأن من يشكون إليه لا يسمع، أو يسمع ولا يقرر، أو يقرر ما هو دون المستوى ودون الطموحات، والشعار الخطير بسقوط المشير، هو مؤشر آخر على أن من كانوا بالأمس "إيد واحدة"، قد يصبحوا بين ليلة وضحاها "أيادٍ كثيرة".
من خرج ليطالب بالحرية ليس لديه ما يخسره، والمجلس الأعلى كى يتجاوب مع كل مطالب مصر الثورية ليس لديه ما يخسره، إذن لماذا بعد عدة أشهر أصبح المجلس العسكرى فى المواجهة وأصبح الخصم؟!، ولماذا أصبحت استقالة عصام شرف- وهو من اختاره الثوار- أمرا مطروحا؟!
والسؤال المهم: هل ستكون ردود أفعال شرف والمجلس العسكرى البطيئة هى المحرك لتصحيح مسار الثورة كما كانت ردود أفعال مبارك ونظامه هى المحرك الرئيسى لنجاح الثورة أم أن من يحكمون مصر الآن أذكى وأرقى وأنقى من سابقيهم؟!
أتمنى للمجلس العسكرى أن يشارك الشعب المصرى فى صناعة التاريخ، تاريخ مستقبل مصر، أن يحافظ على شرف الثورة، لأن شرف الثورة مثل عود الكبريت طالما احترق مرة لا تُجدى معه محاولات إشعاله مرة أخرى!!
صورة أرشيفية
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة