يبدو واضحاً أن ثورة 25 يناير تعيش أزمة حقيقية، ترجع إلى أن قادتها لم يصلوا إلى الحكم، شأن الثورات فى التاريخ وهذه بديهية لا تحتاج إلى برهنة، ودليل ذلك أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة، أعلن أنه ليس بديلا شرعيا للسلطة فى مصر، وإنما يحافظ على الأمانة لتسليمها لأصحابها الشرعيين بمقتضى الانتخابات. ولهذا فإن ما يجرى فى مصر حتى الآن يدخل فى باب الإصلاح، وليس فى باب الثورة. ولكنه إصلاح على مقاس أولى الأمر، إذ يقتصر على الشكل أكثر من الجوهر، ومن هنا استمرار حشود أيام الجمعة لكل منها دلالاتها. مع أن الإصلاح المنشود أمر ممكن، وليس مستحيلا، ولا يحتاج إلى تكنولوجيا مستوردة، أو إلى أدوات ذات تقنية عالية، يحملها خبراء ذوى قبعات على رؤوسهم، وإنما يحتاج إلى إرادة حقيقية ونية صادقة.
وتبدأ نقطة الإصلاح فيما نرى من فك الطبيعة المركزية للحكم فى مصر، التى طبعت الحكم بهذا الطابع الشمولى والاعتياد، على اعتبار أن كرسى السلطة من أعلى مستوياته (رئيس الدولة) إلى أدناها (رئيس الأرشيف فى مصلحة) مثل الكرسى، الذى يجلس عليه الزبون فى صالون الحلاقة أو المقهى.. كرسى دائر دوار.. لا يمتلكه الجالس عليه، ولكن يجلس عليه بعض الوقت، يقضى من خلاله بعض المصالح التى تعبر عنها القوى التى رفعته إلى هذا المقعد، ثم يمضى لحال سبيله، ويأتى آخر ليشغل نفس المكان ويدفع العمل قدما إلى الأمام.. وهكذا..
وفى سبيل الوصول إلى هذه الحالة اللامركزية، ثمة خطوات ينبغى الأخذ بها ولو على مراحل.. المهم أن نبدأ ومن ذلك:
- إطلاق الحرية كل الحرية لتكوين الأحزاب، إذ لا يوجد فى العالم الديموقراطى قوانين تنظم قيام الأحزاب، وتضع شروطا لإعلانها إلا فى بلدنا. ولندع الجماهير أبناء الشعب هم الذين يسقطون بأنفسهم الحزب، الذى يرسب فى امتحان خدمتهم عن طريق صندوق الانتخابات.
- أن تقوم القوى السياسية بتقديم مرشحيها للتنافس على مقاعد السلطتين التشريعية (البرلمان) والتنفيذية (الوزراء ورئيس الدولة)، ويكون الاحتكام أيضا لصندوق الانتخابات.. ولندع الجماهير التى تدفع الضريبة تقول كلمتها فيمن يحكمها، بعيدا عن الطريقة الأبوية القبلية التى ربما كانت صالحة فى وقت ما ولأسباب تاريخية ولم تعد كذلك.
- ولنبدأ تجربة الاختيار الجماهيرى على المحافظين ورؤساء مجالس المدن والأحياء والقرى، بدلا من أن يكون كل منهم مجرد موظف، يعين فى منصبه ويعزل أو ينقل أو يستغنى عنه، بناء على أسس شخصية لا معيارية. ولابد أن نثق فى أن الجماهير تستطيع أن تفرز الصالح من الطالح.. صحيح أنها قد تخطىء فى الاختيار الصحيح والمناسب فى البداية، لأنها لم تتعلم هذا الاختيار من قبل. ولكن بالتدريج سوف ينصلح حال التجربة ويستقيم أمرها.
- إعمال القانون لضبط التوازن الاجتماعى بين الصالح الخاص والصالح العام، بحيث لا يطغى أحدهما على الآخر، ومن يطغى تكون عقوبات القانون فى انتظاره، دون فكاك ولا استثناء بالطرق الملتوية التى يمارسها أصحاب النفوذ. وهذا يعنى أنه إذا قدر لمصر أن يحكمها أصحاب المصالح الرأسمالية فى السلطتين التشريعية والتنفيذية، فيكون من حق المحكومين الذين لا يملكون وإنما يعملون لدى هؤلاء، أن ينتظموا فى نقابات وهيئات وجمعيات يدافعون عن حياتهم ومستقبلهم، دون تجريم هذا النشاط قانونا، أو تحريمه شرعا بمبدأ «طاعة أولى الأمر».
بمثل هذه الخطوات وغيرها كثير وكثير، نستطيع أن نستلهم روح ثورة يناير ونعبر الأزمة الخانقة، ونفوت الفرصة على تحرش القوى العالمية الجديدة ببلدنا وطننا.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة