"وطفلةٍ مثل حسنِ الشمسِ.. إذ طلعت كأنما ياقوتٌ ومرجانُ..
يقودُها العلجُ للمكروه مكرهةً.. والعينُ باكيةُ والقلبُ حيرانُ..
لمثل هذا يذوبُ القلبُ من كمدٍ.. إن كان فى القلب إسلامٌ وإيمانُ"
أبو البقاء الرندى
"إجاك الدور يا دكتور.. الشعب يريد إسقاط النظام"، جملتان فقط كتبهما أطفال الصف الرابع على حائط مدرسة ابتدائية، لم يكن يخطر ببال الشعب السورى قبل أيام من كتابة هاتين الجملتين، أن شوارع سورية سوف تمتلئ بمواطنين عُزّل يفتحون صدورهم العارية فى وجه دبابات النظام السورى، لم يخطر ببالهم ولا فى أشد أحلامهم فنتازية أن يكسر الناس جدار الخوف الذى بناه حولهم النظام على مهل لمدة أربعين عاما، جدار فولازى سميك خنق الحلم فى صدور السوريين، وقتل الخيال والتطلع للغد والحرية والكرامة.
كان الناس يخشون التصريح بهذه الأفكار حتى لأقرب الناس إليهم، أفلح النظام السورى الدموى وحزب البعث الفاشى، فى أن يجعل السورى يفكر ألف مرة قبل أن يخطر بباله التمرد على حكم الأسد، حتى ولو بينه وبين نفسه.
ولأن نظام الأسد مخابراتى وأمنى بالدرجة الأولى، فقد أخمد التطلع للحرية فى قلوب الناس، لكن لأننا نمر بربيع عربى واسع الأمد، ولأن أطفال درعا شاهدوا إخوتهم فى تونس ومصر واليمن وهم يهتفون للحرية، فقد تجرأوا وكتبوا "الشعب يريد إسقاط النظام"، أربع كلمات صارت كل حروفها تمثل أمانى شعوب وأحلام مواطنين أدمنوا الخوف.
قبض النظام بضراوة وقسوة على أطفال المدرسة الابتدائية الذين تجرأوا وخطوا بأناملهم الصغيرة: "إجاك الدور يا دكتور"، مارس الأمن أقسى أنواع التعذيب على الصغار، وهدم الجدران التى خطوا عليها بالطباشير، خلع القساة أظافر أطفال العاشرة من عمرهم ومزقوا ظهورهم، حاولوا انتزاع الاعترفات منهم، فلم يفلحوا، علام يعترف أبناء العاشرة؟ على عبارة ألهمتهم إياها صور الثوار فى مصر وتونس واليمن على شاشات التليفزيون؟ ذهب أكابر درعا ورجال عشائرها إلى المحافظ ومسئول الأمن متوسطين متوسلين أن يعفوا عن صغارهم، لكن لأن القدر يغضب أحيانا لسحق الشعوب وقتل البراءة، فقد طردهم المحافظ، فصرخت نساؤهم فى وجوههم "يا حيف"، فعاودوا المحاولة وأفلحوا فى إخراج الأطفال، لكن التعذيب كان باديا على أجسادهم الغضة، فعاودت النساء قولها "يا حيف"، فصرخت النخوة فى قلوب رجال درعا الأحرار مطالبين بالقصاص.
هتفوا وراء أصوات أطفالهم "الشعب يريد إسقاط النظام"، ونهضت سورية كلها على صوت الأطفال الممزوج بالدماء والدموع، "الشعب يريد إسقاط النظام"، وظل يحمل نظام الأسد فى عقله حقدا أسود على أطفال درعا خاصة وأطفال سورية عامة، أليسوا هم من سطروا بالطبشور على حوائط مدرستهم الابتدائية "إجاك الدور يا دكتور"، فاتهم النظام الدموى الأطفال بأنهم إرهابيون وإسلاميون ومندسون وعملاء، وربما يخبئون فى كراساتهم "آر بى جى" و"كلاشنكوف"، فها هى رصاصتهم تنهال على حافلة مدرسة ابتدائية قادمة من الرستن إلى حمص، ترى بماذا كانت تحلم هاجر تيسير الخطيب حين استقلت الحافلة فى طريقها لمدرستها، هل كانت تحلم بالغد؟ هل كانت تتصور أن رصاصات الأمن ستنهال عليها هى واثنى عشر طفلا آخرين يركبون معها الحافلة؟ وها هو قناص آخر يغتال طفلة عمرها لا يتعدى الثانية عشرة، ثم تأتى الفاجعة الأشد، الطفل حمزة الخطيب ابن الثالثة عشرة يُعذب، ويقطع عضوه الذكرى، ويموت تحت التعذيب، يعن لى أن أسأل بشار الأسد سؤالا يبدو ساذجا: أى ثأر خسيس بينك وبين أطفال سورية أيها النظام الذى عمد كرسيه، كرسى العرش بدماء أطفال سورية؟
أى خسة تلك التى أعمتك وجعلتك تنسى أن لك أطفالا فى مثل أعمار من اغتلت من أطفال سورية؟ هل تذهب مع أطفالك إلى النوم لتقبلهم قبلة المساء؟ هل تنظر فى عيونهم مليا وتتمنى لهم مستقبلا سعيدا؟ هل تطفر عيناك دمعا حين يتألم أحد أطفالك؟ وزوجتك الأنيقة أسماء الأسد، هل بكى قلبها وهى تستمع إلى رسالة الطفلة السورية إليها محملة بدموع أمهات سورية الحزانى؟ هل اختنق صوتها ودارت دمعتين انحدرتا على خديها الرقيقين وهى تشاهد صورة الملاك الجميل حمزة الخطيب وهو متفسخ الجسد مقطوع الذكر؟ هل مالت على أذنيك هامسة، وتحسرت على حمزة الشهيد وأنت تستقبل والد حمزة الخطيب وتحاول أن تطيب خاطره؟
حتى النساء لم يسلمن من إطلاق النار على مظاهرة لنساءٍ من قرية البيضا من ريف بانياس، والتى أصبحت واحدة من مراكز التظاهر الرئيسة المناهضة للنظام، فقتلوا أربع نساء وجرحوا خمساً أخريات، وكانت هؤلاء النسوة تحتجّ على حصار الجيش السورى لبانياس، وعلى قطع خطوط الكهرباء والتليفون عنهم وقيام قوّات الشرطة باعتقال إخوانهنّ وأزواجهنّ وأبنائهن، لا يزال الأسد يصرُّ وبشكل سخيف على أن الدولة تستعمل العنف للسيطرة على العصابات والجماعات الإرهابية، وقد بلغ عدد ضحايا المجزرة التى ارتكبها الأسد خلال الأشهر الماضية أكثر من ألف مائتى شهيد، ما بين طفل وامرأة وعجوز وشاب، وحسب تقارير وأدلّة من منظمات حقوق الإنسان فإنّ النساء والأطفال تعرضوا للتعذيب جنباً إلى جنب مع الرجال على أيدى أجهزة النظام، الذى لا يرحم فى محاولة لبث الرعب فى صفوف الشعب، وفى محاولة يائسة للتمسك بالسلطة، يحاول هذا الحاكم الطاغية أن ينشر الرعب بين أفراد شعبه، ولكن الخوف تملَّكه بشكلٍ واضحٍ.
لقد روّج النظام السورى لأكذوبة العصابات المسلحة فى استهدافها للمدنيين والمتظاهرين، ورفع التهمة عن قوات الأمن السورية باستهداف المتظاهرين، وهذه أكذوبة لا تنطلى على أحد، فلو كانت العصابات المسلحة هى التى تنفذ هذه الهجمات ضد المتظاهرين سلميا، فكيف دخلوا؟ وأين قوات الأمن السورية التى لا تسمح بمرور صرصور من الحدود السورية؟
ولماذا لا تطلق هذه العصابات النار إلا على المتظاهرين السلميين المعارضين للنظام، ولا يتم إطلاق النار على المتظاهرين المؤيدين له؟ ولماذا منع النظام السورى كل وسائل الإعلام من تغطية ما يجرى فى درعا وحمص ودوما وبانياس ودارية وتلبيسة، واعتقل وطرد وهاجم كل وسائل الإعلام، أليس هذا دليل كاف على كذب ادعاءاته؟
النظام السورى فقد شرعيته حين قتل شعبه وأطلق النار على المتظاهرين، وهو ما ردده المتظاهرون "اللى بيقتل شعبه خائن"، انتهت شرعية بشار وعليه الرحيل، هذا هو المفهوم، وبالتالى فإن سورية لن تقبل هذا النظام ولا عصاباته المسلحة، وعلى الدول الغربية والعالم والرأى العام أن يرفض وبقوة رواية النظام السورى فى نقل الأحداث، فعصر أحادية الرأى انتهت إلى دون رجعة، والنظام السورى الذى امتهن الكذب لا يمكن لأحد أن يصدقه.
هويدا صالح تكتب: بشار الأسد الذى يُعمّد كرسى عرشه بدماء أطفال سورية
الأربعاء، 08 يونيو 2011 07:33 م
بشار الأسد
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
ام رامي حماه1982
سلم تمك
عدد الردود 0
بواسطة:
نرمين كحيلة
لا حول ولا قوة الا بالله
ألا لعنة الله على القوم الظالمين ولك ظالم نهاية.