دعوة كريم تلقيتها للانضمام لأسرة «اليوم السابع» اليومى الوليد الجديد.. والحقيقة أننى سعدت بهذه الدعوة جداً.. و«جداً» هذه ليست نفاقاً ولا مجاملة، فقدت سعدت فعلاً بأن صحافة الرأى والرأى الآخر مازالت بخير، وإلا فلماذا توجه لى الدعوة الآن وأنا ماشية فى سكة مختلفة تماماً عن فرح العمدة الإعلامى.. و«جداً» لأننى أيضاً كنت على وشك الشعور بالغربة وأنا (ماشى ولا بيدى) زى عبدالحليم كده.. والفرق إن أنا باكتب واتشتم وأهاتى واتشتم، ومع الوقت لم أعد أهتم.. بل على العكس ازددت ثقة بأننى إن لم أكن على حق، فأنا على الأقل أكتب ما أصدقه وأعتقده وسط الفرح الصاخب الذى تتداخل فيه أصوات التصفيق والزغاريد والصاجات والصياح والصراخ ولطم الخدود وضرب النار، احتفالاً ومجاملة ونفاقاً، وأيضاً إراقة للدماء..
الخلاصة أنى سعدت فعلاً.. وتوجهت إلى المكتب وقعدت ونورت الأباچورة وشغلت الراديو ووضعت الورق وأمسكت بالقلم ولسة هاأقول يا هادى يارب.. عينى وقعت على النتيجة..!!
فجأة توقف الكون حولى والهواء خلص وحتى الراديو باينه سكت لوحده.. النهاردة الموافق الخامس من يونيو والعياذ بالله!! طيب أأجل الكتابة؟ عيب مايصحش.. ما هو مش ممكن ما أكتبش عن أسود يوم فى حياة جيلنا كله.. وإصرارى على الكتابة عن هذا اليوم ليس جلداً للذات ولا سوداوية ولا «نفسنة» -على رأى الشباب- ولكنها مداومة على صقل الذاكرة.. وتحذير متواصل كل عام حتى لا نقع مرة أخرى لا قدر الله فى وقت قد لا يصلح معه لا أكتوبر ولا برمهات. فى صباح ذلك اليوم وكنا قد انتهينا من التدريب العسكرى للجامعات فى عامنا الأول.. ونزلت من منزلنا بشبرا وتوجهت إلى محطة الأتوبيس، وأنا أسير فى خطوة عسكرية منتشية بخطاب عبدالناصر الذى قال فيه «أنا مش خرع مستر إيدن» وإحنا ساعتها اتنططنا فى الهواء من السعادة.. وصلت إلى محطة الأتوبيس وجدتها خالية من الركاب والأتوبيسات.. بعد وقت تركتها وتوجهت لمحطة الترام وأنا أغنى «صورة.. صورة».. و«إلى المعركة.. إلى المعركة».. محطة الترام خالية من الركاب والترام!! لا شىء يهم قررت دون أى قلق أن أسير إلى ميدان رمسيس.. واتمشيت وأنا أغنى «عاش الجيل الصاعد».. «جيل من شعب مجاهد.. عاش».. وصلت.. ميدان رمسيس خال من كل وسائل المواصلات.. ولم أشعر بأى قلق.. سرت على نغمة تصدر من قلبى.. نحن أكبر قوة ضاربة فى الشرق الأوسط.. نحن نحلق بجناح الصناعة الثقيلة، وجناح صواريخ القاهرة والظافر.. فجأة وجدت عددا من الناس متجمهرا حول راديو، ثم فجأة انتفضوا قافزين فى الهواء يصيحون: الله أكبر.. الله أكبر.. جريت عليهم.. قالوا: وقعنا إتناشر طيارة.. قفزت مثلهم وأسرعت على الأقدام فى شارع رمسيس إلى حيث كلية الطب فى العباسية.. وعندما وصلت كان عدد الطائرات قد وصل إلى ما يقرب من الأربعين، وصوت الراديو سعيد منتش قوى منتصر.. قلت خلاص زمان إسرائيل بقت حتت حتت كنا قليلين فى فناء الكلية.. بحثنا عن راديو ترانزيستور صغير وجلسنا على الأرض نحسب عدد الطائرات الساقطة.. شىء خفى بدأ يعبث باليقين، ويعكر صفو الثقة، ويرسم أشباحاً حول النصر القادم بسرعة سقوط الطائرات الإسرائيلية.. ولكن يعود الأمل الواهى يهمس فى الأذن ألا تصدق الهواجس.. «إنا لمنتصرون» على رأى أم كلثوم.. جلسنا على الأرض حول الراديو حتى وصل عدد الطائرات إلى التسعين.. وتباعدت بيانات الراديو.. وخفت حماس المذيع.. وجاء زميل لنا ليتساءل فى قول صارم: «هى الطائرات دى دخلت سماء مصر إزاى؟؟».. فى غروب هذا اليوم أخذت طريق العودة على الأقدام إلى منزلنا فى شبرا.. كل الوجوه واجمة صامتة كساها السواد.. الجميع يخفى وحشاً فى نفسه ينهش فى أحشائه بأننا ضعنا، ولكن الصدمة تخرس الألسنة وتحول بيننا وبين الحقيقة.. فى مساء هذا اليوم تأكدنا أن اليهود باتوا على شاطئ قناة السويس.. وتوالت الأحداث المريرة التى حفرت فى أنسجة الإحساس حفراً غائراً لا يمحوه الزمن وأخذنا نغنى «عدى النهار والمغربية جاية تتخفى ورا ضهر الشجر» حتى يوم السبت الموافق السادس من أكتوبر الذى أوقف نزيف الانكسار، ولكن الجرح ترك أثراً لا تمحوه السنون.. أنا آسفة يا جماعة معلش.. حظكم كده..
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
mahmoud
فية زيك كتير اوى بس للاسف مش باينلهم صوت
عدد الردود 0
بواسطة:
sheukar
لست وحدك
عدد الردود 0
بواسطة:
شريف مصري
الحق احق ان يتبع
عدد الردود 0
بواسطة:
منون
استمرى على ما انتى عليه
عدد الردود 0
بواسطة:
rico
اد اية انا بحبك..واد اية انتى انسانة فعلا صادقة مع نفسك
عدد الردود 0
بواسطة:
د/عصمت العويلى
سلمت يديك
عدد الردود 0
بواسطة:
عراقي
تحية صادقه
عدد الردود 0
بواسطة:
مهندس راضي
انت كاتبة محترمة ،،، وأهلا بك
عدد الردود 0
بواسطة:
نور
منورة اليوم السابع لكن
عدد الردود 0
بواسطة:
مصري حر
انت انسانه محترمه و عادله