دائما ما تكون فى حياة الفرد لحظات لا ينساها إلا بفراق الحياة، ويظل يذكرها مرارا وتكررا لكل من حوله، ويورثها للجيل الذى يليه، جيلى كان من الأجيال المحظوظة، والتى عاشت الثورة بكل معانيها حيث سيذكرون فى المستقبل، أنه كان عندنا ريس وبعدين عملنا ثورة وأسقطنا النظام وجينا نحاسب الريس قالوا ده بعافية شويه! أعلم أن هناك شريحة كبيرة تحب الرئيس، ولدى بعض الأصدقاء مازالوا يحبون هذا الرجل، والبعض الآخر متعاطف معه، لذلك يجب علينا أن نحترمهم ونقدر مشاعرهم، ولكن دعونا ندخل فى الموضوع مباشرة، مر الآن على تنحى الرئيس ما يقرب من 4 شهور، ولا نسمع شيئاً عنه سوى أنه مريض منذ أن قررنا أن نحاكمه على ما فعل على مدار 30 سنة - إذا كان بريئاً يرحل وإذا كان مداناً يحاسب – بالرغم من أنه كان يعيش فى فيلته الخاصة سليماً، وزى الفل ويسجل فيديوهات ويبعث بها للقنوات الفضائية! أنا لا أشكك فى نزاهة اللجنة الطبية التى قامت بالكشف على الرئيس السابق مطلقا، ولكنى مندهش من أمرين:
الأول: كم الأمراض التى يعانى منها، حيث إنه يعانى من نوبات متكررة من ارتجاف أذينى متكرر، مصحوب بانخفاض حاد فى ضغط الدم وقصور لحظى فى الدورة الدموية للمخ، فقدان لحظى، واختلال بضربات القلب البطينية متعددة المصدر، وأورام وارتجاف بطينى المسبب للسكتة القلبية المفاجئة، فكيف كان يحكمنا هذا الرجل بهذا الكم الهائل من الأمراض، والتى أسمع عن بعضها لأول مرة فى حياتى؟ فيبدوا أنه يعانى من هذه الأمراض منذ فترة، ولم يصب بها بعد التنحى مباشرة! ولى صديق طبيب سألته عن خطورة ما يعانى منه هذا الرجل فقال لى إن الارتجاف الأذينى ليس بهذه الخطورة، خاصة إذا تم تركيب شىء اسمه (باس ماكر)، ويجب على المريض أيضا أن يكثر من حركته، لأن النوم المستمر مع هذا المرض يساعد بشدة على سرعة تكون الجلطات. والثانى أن مستشفى طره ليس جاهزاً لاستقبال هذه الحالة، وهذا أمر عادى، ولكن الغريب أنه حتى الآن لم يتم تحديد موعد محدد يكون فيه المستشفى جاهزاً لاستقبال الحالة، وينتهى الأمر الذى يحظى باهتمام كثيرين.. قد أبدوا لك عزيزى القارئ متحاملا على هذا الرجل، ولكنى سأعرض عليك قصة صغيرة جدا سمعتها منذ يومين قبل صدور التقرير الخاص بالرئيس السابق.. قابلت صديقا مقربا لى، وكان فى حالة مزاجية سيئة على غير العادة، فسألته عما يضايقه، فقال لى إن لديه قريبا يعانى من ورم فى المخ منذ سنوات - ويعالج منه قدر المستطاع - خاصة أن هذا الشاب وأهله من الناس الغلابة، والذين ينتمون بطبيعة الحال لقاعدة الفقراء العريضة، والتى اتسعت بشدة فى عهد الرئيس السابق، ولكن دعونا نكمل حديثنا، باع أهل هذا الشاب كل ما يمتلكون، ولم يتبق لهم شىء سوى بعض الملابس بعد أن باعوا جزءا منها لعلاج هذا الشاب، خاصة وأنه يمكث فى أحد المستشفيات الخاصة، وتكلفة الليلة ما يقرب من 1500 جنيه، من المؤكد أن ذلك ليس من باب "الفشخرة"، ولكن لأن هذه الأجهزة ليست متوفرة فى المستشفيات الحكومية، ومع عدم القدرة على دفع المبلغ بصورة مستمرة قررت إدارة المستشفى خروج هذا الرجل منها – نعم الحالة متأخرة ومتأخرة كثيرا أيضا - ولكن أهله مازالوا متمسكين بالأمل ولديهم ثقة فى الله، وأكثر المواقف المأسوية التى سمعتها عن هذه الحالة أن أمه تقبل قدمه كى يفيق من هذه الغيبوبة، كى لا يحتاجوا لأحد، ويتحايلوا على الدكتور المعالج أو إدارة المستشفى، أو أن يمدوا يدهم للناس لعلاجه. إذا استطعت أن تستنج علاقة بين قصة مرض هذا الشاب وقصة مرض الرئيس ستعرف لماذا أبدوا متحاملا عليه، وفى النهاية لا نستطيع سوى أن ندعو لجميع المرضى بالشفاء وعودة الحق لأصحابه وسيادة دولة القانون.
