لعل أعظم ما أنجزته ثورة 25 يناير المجيدة هو إيجاد تلك الحالة المتميزة من حرية التعبير وإبداء الرأى دون تضييق أو تعنت من قِبل أحد من القائمين على الحكم فى مصر الآن، ومن الشواهد الدالة على تلك الحالة هو ذلك الكم الهائل من البرامج الحوارية والنقاشية التى تملأ شاشات الفضائيات، يحاول فيها الجميع جاهداً أن يدلو بدلوه فيما يجرى من أحداث بهدف رسم خارطة طريق للخروج من المرحلة الانتقالية الراهنة بأمان لوضع مصر على مسار التنمية والتطور الحضارى الذى تستحقه والانطلاق نحو مستقبل باهر.
ومن الموضوعات الشائكة التى تشهد خلافاً حادا بلغ ذروته بين الكثير من التيارات السياسية والفكرية فى الآونة الأخيرة مشروع وضع الدستور المصرى وآليات صياغته، وانقسمت الآراء بين مؤيد ومعارض وكلاً من الفريقين متمسك برأيه الذى يستند إلى قناعات وحجج لها وجاهتها، فنجد الفريق الأول مثلاً ينطلق من أن أول الخطوات فى بناء دولة عصرية ديمقراطية حديثة يبدأ بكتابة الدستور، والذى يتحدد فيه ملامح وشكل الدولة وطبيعة العلاقات بين مؤسساتها، وحجتهم فى ذلك أن هذا الدستور هو بمثابة العقد الضامن للحقوق والواجبات، وإذا كان العقد شريعة المتعاقدين لذا ينبغى أن نبدأ به أولاً وهذا هو ما حدث فى كثير من البلدان التى شهدت ظروف مشابهة وتمكنت من إحداث نقلة حضارية جعلتها فى صفوف الدول الكبرى.
أما الفريق الثانى فيرى أن البداية الأصح ينبغى أن تكون من خلال إجراء انتخابات برلمانية لاختيار نواب الشعب وتكون أولى مهامهم هو تشكيل لجنة تأسيسية لوضع الدستور الجديد، وحجتهم فى ذلك أن هذه هى إرادة الشعب والذى صوت فى الاستفتاء ليس فقط على تعديل بعض مواد الدستور، ولكن أيضا على السير فى اتجاه الاستقرار والأمان بإجراء هذه الانتخابات فى موعدها، وأن عدم الاكتراث بنتيجة هذا الاستفتاء سوف تكون أول مسمار فى نعش الديمقراطية.
كل من الفريقين قد يكون محقاً فى رأيه ولكن الأهم الآن هو كيفية الخروج من هذا المأزق السياسى، ولعل هذا هو ما دفعنى إلى طرح هذه الفكرة ومناقشتها لعلها قد تفيد.
بداية أود التأكيد على أننى لست متخصصة فى المجال القانونى فأنا لست من أهل العلم، ولكن حب بلدى والرغبة فى بلوغ الحل هى ما دفعتنى للتحدث فى هذا الشأن.
ترتكز هذه الفكرة على حقيقة مؤداها أن الشعب المصرى العظيم ينبغى أن تكون له تجربته الخاصة فى الخروج من الوضع الحالى دون الحاجة إلى النظر شرقاً أو غربا يميناً أو يساراً، فهذا الشعب له شخصيته الفريدة وقدراته المتميزة على العمل والإنجاز.
وهذه الفكرة ببساطة تبنى على أساس أن تسير خطة وضع الدستور وصياغة مواده، وإجراء الانتخابات البرلمانية معاً فى موعد محدد دون تعطيل لأى منهما ولكن، وقبل الشروع فى توضيح خطوات هذه الفكرة لابد من التأكيد على بعض الأساسيات المدعمة لها:
1- أن يتم العمل تحت إشراف وإدارة وتنظيم المجلس الأعلى للقوات المسلحة فيما يختص بمسألة الدستور.
2- وأن تتم الانتخابات تحت إشراف قضائى كامل وهذا ما نص عليه الإعلان الدستورى.
3- أن يلتزم الإعلام الحيادية تماماً ويكون دوره فى هذه المرحلة التوعية والإرشاد والحث على المشاركة.
4- النزاهة والشفافية الكاملة لكل خطوة من الخطوات، والتزام الجميع بالنتيجة النهائية مهما كانت.
والفكرة تتكون من ثلاثة خطوات متتالية:
الخطوة الأولى: تتمثل فى تشكيل لجنة تسمى بلجنة صياغة الدستور يتم انتخاب أعضائها من جميع كليات الحقوق المنتشرة فى جميع محافظات مصر من شرقها إلى غربها ومن شمالها إلى جنوبها، حيث تقوم كل كلية بانتخاب (2) من أعضائها المتخصصين فى القانون الدستورى والمشهود لهم بالكفاءة العلمية والنزاهة الفكرية، وحسن الخلق وأن يكون من أبناء المحافظة، فلو افترضنا أن عدد الكليات مثلاً (40) كلية يكون لدينا بذلك نخبة مكونة من(80) فقيها دستوريا يمثلون كافة المحافظات المصرية باختلاف ثقافاتها، يضم إلى هذه اللجنة عدد من الشخصيات العامة من المفكرين، والسياسين، والإعلاميين......إلخ، على أن يكونوا من الشخصيات المقبولة لدى الرأى العام، وبذلك يكتمل عدد أفراد هذه اللجنة (100) شخصية موقرة ينحصر دورهم فى وضع صياغة مبدأية لمواد الدستور المصرى.
الخطوة الثانية: ويمكن تسميتها بالتصويت الخاص على مواد الدستور، وفيها توجه الدعوة لكافة التيارات والأحزاب السياسية فى مصر بكافة أطيافها، بحيث يرشح كل حزب أو تيار(5) من أفراده يمثلونه ويعبرون عنه، وينحصر دور هؤلاء فى التصويت على مواد الدستور والتى صيغت بمعرفة اللجنة الأولى، ويكون التصويت هنا على كل مادة منفردة، والمادة التى لا تلقى القبول يكتب أمامها السبب والتعديل المطلوب، وبناء على نسب التصويت لكل مادة تبدأ اللجنة الأولى فى إدخال التعديلات المرجوة على المواد ذات التصويت الأقل.
الخطوة الثالثة: وهى ما يمكن أن نطلق عليها بالتصويت العام، فبعد الانتهاء من صياغة مواد الدستور وموافقة القوى والتيارات السياسية عليها، يطرح الدستور بالكامل على جموع الشعب للاستفتاء العام، وهنا أود التأكيد على أن الشعب بكامله ليس لديه أى غضاضة فى النزول مرة بل مرات للتصويت والانتخاب مادام ذلك فى صالح البلاد، وفى حال إذا ما لاقى هذا الدستور القبول والاستحسان من الشعب وحصوله على نسب تصويت عالية حينها فقط يكون هذا الدستور ملزم للجميع سواء كانت حكومة أو برلمان أو رئيس، ولا يجوز لأحد مطلقاً الخروج عليه أو تغيره أو العبث بمواده، فهو فى هذه الحالة يكون ممثلاً تماماً لإرادة أبناء هذا الشعب.
أعلم جيداً أن هذه الفكرة قد تكون على درجة من السذاجة والسطحية، ولكن يقينى أن كل إبداع كبير يبدأ أولاً من أفكار بسيطة تكون فى لحظة من اللحظات نواة لعمل كبير.
وفى النهاية فإن مصر فى اللحظة الراهنة فى حاجة ماسة لكل فكرة ومقترح وتصور، مهما كان بسيطا حتى تصل سفينتها إلى بر الأمان، وتبلغ مكانتها التى تستحق بين الأمم، فالوقت ضيق والعمل كثير.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
علاء الدين
اتفق معك
عدد الردود 0
بواسطة:
المهندسة.مروه
فكرة رائعة...
عدد الردود 0
بواسطة:
عبد المنعم المنشاوى
أتفق معكم جميعاً