يبدو أن النكتة اختلف معناها.. فعندما تحدثت عن النقاش دون استخدام اللسان واستخدام القلم والورق رأى البعض أنها نكتة، ولحسن الحظ هى ليست كذلك، ففى ألمانيا وبعد الحرب العالمية الثانية واجه الألمان بلدًا تم تدميره تمامًا، وأرادوا إقالته من عثرته، فبدأوا يتحدثون: تحدثوا عن الدمار، وعن مآسيهم الشخصية، وعن غضبهم من النظام السابق، أو من الحلفاء، وبعد فترة طويلة لم يصلوا إلى شىء، ولذلك اقترح أحدهم هذا الاقتراح الذهبى وهو توزيع كروت يكتب عليها صاحبها رأيه أو اعتراضه، فكانت النتيجة اختصار الوقت والوصول إلى لب المقصود، وفى النهاية هكذا بنيت ألمانيا الجديدة.
وفى أحد المنتديات اقترحت هذه الفكرة، وكانت ناجحة جدّا وإن كان من المستحيل تكرارها لأن الارتجال أسهل وأمتع وأكثر شخصانية.
من منَّا لم ير أحدًا يعرفه بمجرد استيلائه على الميكرفون تتغير ملامحه، ثم يتغير صوته فتصبح فيه غنة أو بحة، والكارثة لو كان ممن يسمعون أنفسهم - وهم كثر - فيستعذب ما يقول، ويكون الهدف الأول والأخير هو أن يسمع - خاصة من الجنس اللطيف - أحسنت يا أستاذ!
وإذا زاد عدد الحاضرين والمشاركين زاد الصراع على إثبات أنه أفضل المتكلمين، وبالمرة أصوبهم رأيًا، فى إحدى الندوات كان الكلام حماسيّا وكانت صديقة لنا من النوع الحماسى، وهو يختلف طبعًا عن النوع الآخر الذى يفتقد الحماسة، وجاء دورها، وأنا أفكر ماذا لديها لتقوله بعد كل هذا الحماس، وإذا بها تفاجئنا جميعًا ولمدة عشرين عامًا بأن تستخدم ألفاظًا جنسية صارخة! النرجسى يحاول لفت النظر إليه بأية طريقة حتى بطريقة صديقتنا.
إذا أردت ندوة والسلام فافعل ما شئت، أما إذا أردت أن تعقد مؤتمرًا تخرج منه بنتائج محددة فلا تجمع خمسمائه أو أكثر من مكان واحد، فيقف هذا ويغنى، ويغار هذا فيشتم، ويحتج هذا فيقاطع، ويغضب هذا فينصرف، الوصول إلى نتائج أمر ليس صعبًا، ويعرفه جميع الذين يشاركون فى المؤتمرات، فى البداية لجنة صغيرة جدّا تحدد محاور المؤتمر، وتحدد أعضاء كل لجنة، وكل لجنة تدرس موضوعها وتخرج بنتائج تسلمها إلى المؤتمر، وأتمنى استخدام الكروت الألمانية، وإن كان هذا مستحيلاً؟
وقد أتيح لى أخيرًا أن أحضر عددًا من الندوات والمؤتمرات القليلة والحمدلله، لكننى سمعت فيها نكتًا ظريفة، منها مثلاً ما قاله شاب: لقد بدأ تاريخ مصر فى 25 يناير 2011.
تصوروا أن تاريخ عشرة آلاف عام أزيل بهذه الجملة العبقرية، وزال مع هذا التاريخ إخناتون ورمسيس وتحتمس ومحمد على وإسماعيل وجمال عبدالناصر ونجيب محفوظ و.. و...
وفى حفل تكريم قام أحدهم وقال: عيب أن توجد مسرحية بعد الثورة بعنوان خالتى صفية والدير.. ولحسن الحظ كان جالسًا قريبًا منى فسألته أسئلة غير مباشرة بقصد معرفة اتجاهه الدينى، لكنه لم يبدُ من المتشددين، وعندما اقترحت عليه تغيير اسم المسرحية إلى خالتى صفية والمسجد.. استنكر هذا، وهززت رأسى موافقًا لما لم يقله بعد: فعلاً هى مسرحية كتبت قبل 25 يناير دافعت بالطبع ضد أى فن قدم قبل الثورة لكنه رفض هذا أيضًا وقال لى إنه من دارسى التراث، ولم يبق درس إلا التفسير الشخصى، وعندئذ توقفت حتى لا يحدث ما لا تحمد عقباه.
ما يقال شديد الضرر لأنه يفسد الأفكار، ويفسد العلاقات، ويفسد النتائج، ولكن كل ذلك أهون ممن رد عليه رئيسه فى العمل بجركن ملىء بالبنزين وقداحة، ولحسن الحظ تراجعت الصناعة المصرية، فلم تشتعل القداحة.
كانوا يقولون: تكلم لكى أعرفك! وأظن أننا سنقول الآن: اصمت لكى أسمعك!
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
منار محمد
غيرتنا الثورة ..:!