فى البداية أرجو من السادة القراء أن يقرأوا الفاتحة "بالنسبة لإخوتى المسلمين" والصلاة الربانية "بالنسبة لنا" على أرواح شهدائنا الذين دفعوا ثمن الحرية والعزة والكرامة.. أما بعد.
ليت هذا المقال ما كان الأول لى بعد الثورة حتى كان يتسنى لى بناء رصيد فى قلوب بعض القراء ولكن مابدهاش.
حاولت كثيراً جاهداً أن أراعى كلماتى فى هذا المقال خشيةً من التخوين، والتعويل والتهويل، والتقويل، وأن لا أرى اليوم الذى أُحسب فيه على الثورة المضادة، أو فلول النظام، أو ذيول الحزب المنحل، أو أذناب الفاسدين، أو محبى طلعت زكريا، أو صاحب أجندات خاصة أو كشاكيل حكومة، وحتى لا يحالفنى الحظ لأرى نفسى أجالس رموز النظام السابق فى طرة، وقررت أن أدلى بدلوى وربنا يستر.
كنت على مدى فترات عمرى أقرأ التاريخ سواء الدراسى أو الثقافى، ولم أكن أتوقع يوماً أننى أعيشه بل أشارك فى صنعه، وهو ما حدث فى أشرف ثورة فى تاريخ مصر، والتى قامت من أجل التغيير، فوجب التغيير، انصاع العالم أجمع لإرادة الشعب فى التغيير، ولابد أيضاً أن ينصاع التاريخ لإرادة الثورة، ولكن لنعلم جيداً أى تغيير نريده، هل سنحرق ثلاثين ورقة من تاريخ مصر بعدد السنوات الأخيرة ونعيد تسجيلها بما يتناسب مع إنجازات الثورة ومشاعرنا تجاهها، هذا كل ما أخشاه، فنحن يا سادة ليس لدينا تاريخ لم يمسه مقص الرقيب، فتاريخنا كُتب بإرادة الحُكام، وحُكامنا أرادوا المجد لهم ولمن يرغبون، واللعنة لمن يكرهون، نحن ظللنا سنين عديدة لا نعترف بأول رئيس لمصر وفقاً لإرادة الحُكام اللاحقين له، وظللنا أيضاً أكثر من خمسين عاماً نسب عصر فاروق الأول، ونلعن سلسفيل جد أبوه (محمد على باشا) إلى أن تعاطفنا معه لاستظرافنا لـ تيم الحسن، وتضامناً مع لميس جابر، التى قررت أن تعيد كتابة صفحة من صفحات التاريخ ولكن على حسابها الخاص، والسؤال الذى يطرح نفسه: هل نحن فى حاجة إلى إعادة تسجيل تاريخ الرئيس السابق فقط؟.. الإجابة: أنظر الكتاب المدرسى، ليس هذا ما قامت له الثورة، فعشقنا لتأليه الحُكام، وعشق الحُكام لعبوديتنا أضاع تاريخنا، فكل حاكم يعطى إشارة لكُتاب التاريخ كى يسجل ما له وما على سابقيه.
أعيدوا كتابة التاريخ يا سادة بما يتناسب مع عظمة ثورة أدهشت العالم، بعيداً عن إرادة الملوك ورغبات الآلهة، علينا أن نستغل فترة العصيان التى نعيشها قبل أن يحكمنا إله جديد، وأن نسجل التاريخ كما هو، وليس كما يريده آخرون، ولكن دون أن يحثنا عشقنا للعبودية فى تأليه الثوار، فليس هم حُكام، لماذا ارتضينا أن نعبد كل من يأتى بعد آخر ونكفر بالسابق إذا أراد، ونؤمن به إذا رغب فى ذلك؟ أليس تاريخنا كله بنى على هذه النظرية؟ وماذا عن تاريخنا الفرعونى؟ أليس ملوكهم هم أوائل الآلهة؟ وإذا كانوا سجلوا التاريخ على جدران المعابد بإرادة حُكامهم مثلنا، ماذا نفعل إذن؟ هل أحمس هو طارد الهكسوس أم هناك مؤامرة؟ أليس مينا هو موحد القطرين أم هو رغب فى أن يكون ذلك؟ ماذا عن خوفو وهرمه الأكبر؟ ما حقيقة موت كليوباترا هل انتحار أم هناك شبهة جنائية أرادوا إخفائها؟ ماذا عن دخول الإسلام أرض مصر أبّان العصر الفرعونى؟ ألم ندرس ذلك غافلين ستة قرون قبطية؟ أهل فعلها الفئران ملتهمين بضعة أوراق ليس لها قيمة فى عصرنا هذا؟ ماذا عن المقوقس وشجرة الدر والخديوى إسماعيل؟ أين الحقيقة؟ ماذا عن فاروق ونجيب وناصر والسادات؟ أليس منهم من سجلوا التاريخ كما يرغبون، وآخرون سُجل عنهم حسب رغبة من لحقهم؟ أذكر مع التعليل مميزات وعيوب كل من: تأميم قناة السويس، تأميم المؤسسات والممتلكات، نكسة 67، الانفتاح الاقتصادى، التعذيب فى المعتقلات، مراكز القوى، اعتقالات سبتمبر، مع ذكر ما عاد على الشعوب من ضرر أو نفع نتيجة لهذه القرارات أو الأحداث؟ ماذا عن الفساد الذى استفحل وانتشر كالسرطان فى جسد الوطن فى عصر مبارك؟ ماذا عن البنية التحية والمدن السكنية والضربة الجوية التى فتحت باب الحرية؟ كيف ظللنا ثلاثين عاماً نتغنى بها إلى أن طلعت أونطة.. أين الحقيقة؟ وأين كان هؤلاء المحللين فى الثلاثين عاماُ الماضية، وإذا كانوا صامتين خشية الإطاحة بهم، فكيف نصدقهم الآن؟.. أين كنتم؟.. من أنتم؟.. من أنتم؟.. ثورة؟.. ثورة؟
من أشهر النكت التى ظهرت أثناء الثورة والتى فاقت فى انتشارها شهرة وائل غنيم والراجل اللى ورا عمر سليمان، تلك النكتة المتعلقة بمقابلة مبارك بعد وفاته بجمال عبد الناصر وأنور السادات، حين سألاه، سم ولا منصة فأجابهم فيس بوك، وبدورى تخيلت بقية للحديث بينهم عندما آتاهم أبو التاريخ "هيرودوت" كى يسجل حقائق التاريخ كما هى، وليس كما أرادوا، ولاسيما بعد ثورة شريفة نابعة من نبض الشعب ولا يصلح معها الزيف والتزوير، فإذا بعبد الناصر والسادات ينظران إلى بعضهما البعض، ثم يتركان هيرودوت لمبارك قائلين: "الحساب عند البيه".
يا كُتاب التاريخ، حاكموا مبارك ولكن عما اقترفه وحده وليس عما فعله الآخرون، حاكموا مبارك، ولكن بروح العدل وليس بروح الشماتة، أو بناء على طلب الجماهير، ليس فصل حفيد مبارك من المدرسة هو إرضاء للثورة ولكنة إرضاء لمنافقى الثورة، بعد أن ظلوا ينافقون النظام، حاكموا مبارك، اسجنوه على أخطائه ولكن لا تدعوا كل من أضر بهذا البلد أن يهرب بأفعاله متحصناً بزمنه الذى انقضى، لا تحاسبوه على الفاتورة بأكملها بل حاسبوا كلا على فاتورته، لا ترحموه ولكن اذكروا ما له وما عليه كما أراد، ولتحسبوا طلبه هذا وصية المحكوم عليه بالإعدام، دعوا التاريخ يحاكمه ويحاكم الآخرين، ولا تستثنوا أحدا، استغلوا فترة العصيان وارفعوا اسمه وصوره من محطات المترو وجميع المؤسسات والمنشآت ومعه الآخرون، وبعد إعادة تسجيل التاريخ وزعوا أسماء من يستحقون على ما تريدون، ليس إبراهيم بيه ولاظوغلى وديليسبس من زعماء مصر الأوفياء، لم يكن صلاح سالم أحد أهم زعماء مصر ليحتل أسمه أهم شوارع القاهرة، دعوا الحساب يسرى على الجميع، ليس دفاعاً عن مبارك، ولكن دفاعاً عن كتاب التاريخ الذين مُزِق تحت أقدام الحُكام، أعيدوا كتابة التاريخ يا سادة بما يتناسب مع عظمة شعب عريق صبور مناضل، شهد له العالم أجمع، وأخيراً أيها الثوار: لا ترضوا أن تكونوا آلهة كما أردتم ألا يكون حُكامكم.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
mo
تعليق متوازن
تعليق جيد ولغة عقلانية راقية. شكراً لك
عدد الردود 0
بواسطة:
مصرى
مقال ذكي جداً
عدد الردود 0
بواسطة:
فاطمة ناعوت
مبروك لليوم السابع هذا القلم الواعد
مبروك لليوم السابع هذا القلم الواعد
عدد الردود 0
بواسطة:
Isaac
Good Start Mr. Philip
Go on Philip, I like your article :)
عدد الردود 0
بواسطة:
واحد من الناس
صديق قديم للكاتب
عدد الردود 0
بواسطة:
Mi
أهنئك
عدد الردود 0
بواسطة:
وائل فايق
كلام محترم
عدد الردود 0
بواسطة:
باحث فى امور الثورة
الله يفتح عليك يا عم فيليب
عدد الردود 0
بواسطة:
مواطن
كنت فين من زمان
عدد الردود 0
بواسطة:
بنحب مصر
الفاتورة عند البيه واولاد الهانم